عروسة مع إنه ممكن يكون راجل, شجاع مع إن قلبه خشب.. مش فزورة ولا حاجة؟!.. واحد مملوء بالفرح وهو حزين, يشبعك بالبهجة وهو جائع لا يأكل. يكشر في وجه الجبابرة ويقول للظلم: يا سم!.. بطل مع إنه ضعيف لا سيف له ولا فرس, غير حبة حكاوي وحواديت يشوي بسخريته الأكاذيب علي نار بلا لهب, فيضع أيادي البلد علي أوجاعها. غلبان ويفضح فساد حكامها لما ينادي يا اولاد الحلال.. إنه الأراجوز..نعم الأراجوز, الذي طفش وكاد يندثر, بعدما تزاحم الكثيرون علي مهنته, وصاروا أراجوزات يخرجون علينا من كل شاشة أو ميدان أو مظاهرة, ليتنططوا علي أكتاف المصريين, ويزهقوهم في عيشتهم.. ولأجل الإنصاف نترك تلك السطور للأراجوز الأصيل وحكاويه المثيرة وأخباره النادرة, بعد أن تواري وسط زحام المهرجين في السياسة والاقتصاد وغيرهما, علي كل لون ياباتيستا. التقينا د. نبيل بهجت أستاذ المسرح بجامعة حلوان قسم علوم المسرح ومدير مركز إبداع بيت السحيمي ومؤسس فرقة ومضة لعروض الأراجوز وخيال الظل ليحدثنا عن شغفه باحياء عروض الاراجوز بعدما اوشكت أن تندثر, فقال: بالإضافة إلي عملي كمخرج ومؤلف مسرحي قدمت من خلال فرقة ومضة لعروض الأراجوز وخيال الظل أكثر من21 عملا مسرحيا, ويعتبر مشروع الأرجواز وخيال الظل إحياء وتوثيقا و إعادة إنتاج مرة أخري هو من أهم مشروعاتي, والسبب في ذلك أن الأراجوز هو رمز للشخصية المصرية, حتي عندما اتخذ المصريون خيارا للثورة اتخذوا كلمة أرحل وهي الكلمة التي دائما ما تنتهي بها عروض الأراجوز وهو يقول لخصمه أطلع بره, وهو لا يقتله وإنما يقصيه من السياق الاجتماعي, نفس الخيار هو الذي اتخذه المصريين في ثورتي يناير ويونيو عندما قالوا لمبارك ومرسي ارحل, وفكرة كيف يدير المصري صراعه مع الآخر هو يقصي ولا يقتل. ويضيف نبيل بهجت: أن الأراجوز علي مر العصور كان منبها للمصريين للتحرك والثورة ورفض الظلم, وكان يعلمهم كيف يثورون علي السلطات الثلاث داخل المجتمع, السلطة الدينية والتي كانت تمثل في عروض الأراجوز بالشيخ الشحاذ الذي يستغل الدين مصالحه الشخصية, السلطة الاجتماعية فبدلا من ممارسة الحياة نحو التعاون والتكاتف والبناء وغيرها من الصفات الحميدة, يتحول الأراجوز إلي مصدر استهلاك من خلال إثقاله بالطلبات وأعباء الحياة اليومية دون أن يمارس الحياة بشكلها الطبيعي, والسلطة السياسية ممثله في الشاويش وهذا الرمز طوال الوقت الأراجوز لديه مشكلة مع هذا الشاويش, لأن العسكري التركي كان بالنسبة للفلاح المصري دائما دلالة لقطع الرأس وكان ذلك من خلال كتب الفكاهة في القرن18 و19 ويضيف د. نبيل بهجت في هذا السياق أن بعض المراجع تشير إلي أن عروض الأراجوز بدأت مع العصر العثماني, مضيفا أنه يعتقد أن الأراجوز في مصر أقدم من ذلك بكثير لأن الشخصية الشعبية لا تستطيع أن تجزم متي بدأت. دائما ما يصف البعض فلانا بأنه اراجوزا ويعتبرها البعض صفة غير حميدة ماهو التوصيف الحقيقيللاراجوز؟ يقول د. نبيل بهجت: الأراجوز هو جزء من تكوين وجدان الشعب المصري, وفي بعض الأحيان تستخدم كصفة حميدة لقدرة الإنسان علي الخروج من موقف معين وقدرته علي الذكاء, وتحول المعني دليل علي شيئين, الشيء الأول هو غياب الدلالة السليمة للمعني في العقل, الشيء الثاني هو أننا لم نستطع المحافظة علي تراثنا كما ينبغي فعلي سبيل المثال خيال الظل أو قاراقوز رمز للشخصية التركية ويفخرون به ومصدر من مصادر الدخل التركي, ولكن نحن لدينا مشكلة دمر حمامك القديم والتخلص من كل ما هو قديم وعدم القدرة علي استثمار هذا التراث اقتصاديا, فعلي سبيل المثال عندما بدأت إحياء الأراجوز وخيال الظل منذ13 عاما تقريبا لم يكن هناك توثيق لهذا الفن ولم يكن هناك كتاب يحمل اسم الأراجوز المصري أو حتي مقطع فيديو وعندما تسأل بعض الأكاديميين عن الأراجواز كانوا يقولون: مات من زمان وأهمية الأراجواز أنه أحد نماذج الشخصية المصرية التي لابد أن نحافظ عليها.. لماذا ؟ لأننا لو لم نحافظ عليها سوف تأتي أجيال لتقول ليس في تاريخنا من يستطيع أن يعبر عنا, وسوف نتكئ علي النماذج القادمة من أوروبا مثل سبايدر مان ومازنجر و سبونج بوب ومن ثم نحن نهزم أطفالنا في أنفسهم, فتكون الجنة الحقيقية هي الجنة التي جاءت منها هذه النماذج, فلا تستغرب عندما يركب شاب مركبا من مراكب الموت متجها إلي أوروبا في هجرة غير شرعية, لأنك قمت بتربيته علي أن القوي والمسيطر هو النموذج الآخر, وعندما بدأت مشروع الأراجوز كان هناك ظاهرة في المجتمع وهي تحول المقاهي الشعبية إلي كافيهات, وظاهرة أخري في محلات لعب الأطفال بوسط البلد دمية شهرزاد ذات ملامح غربية تلبس مايوه بكيني عيون زرق وشعر أصفر وكأن المصريين ليس لهم ملامح يستطيعون بها التعبير عن أنفسهم, فكأستاذ جامعة وكمثقف كان لزاما علي أن اخذ خطوات نحو مجتمعي في تجربة عملية جمع وتوثيق تراث الأراجوز وخيال الظل وإنشاء فرقة لإنتاج عروض تقدم هذا الشكل من الفنون وجمعت كل من له خبرة بهذا الفن, وقمت بالعرض في الشوارع وتجمع الجمهور حول العرض وفهمت من خلال ذلك ما هو الفرق بين المسرح التقليدي والمسرح الذي يذهب إلي الناس. وعن أشهر المسارح التي تقدم عروض الأراجوز يقول د.نبيل: منذ احتضان وزارة الثقافة وصندوق التنمية الثقافية لفرقة ومضة لعروض الأراجوز وخيال الظل نقدم عرضين أسبوعيا عرضا في الثالثة عصرا والآخر في السابعة مساء كل جمعة بالمجان في بيت السحيمي ويقدم هذه العروض أهم لاعب أراجوز في العالم وهو صابر المصري75 عاما وهو بالمناسبة كفيف ويمارس اللعب حتي الآن, والعرض الثاني يقدمه صابر شيكو وهو أحد تلاميذه وعمره60 عاما, ونقدم عرض خيال الظل من خلال مسرحيات في الغالب من تأليفي وإخراجي من خلال تناول قضايا مختلفة من خلال خلق لغة مسرحية تكون مفرداتها الأراجوز والراوي وخيال الظل أي أن أتخلص من شكل المسرح الغربي الذي أكرهه, فعند دخولي قاعة المسرح أشعر أنني غريب, لأنني قادم من أعماق الريف أنا فلاح كنت أشاهد عروض الأراجوز في الشارع وكان يدفعني دائما سؤال لماذا نقدم مسرحا باهظ التكاليف إذا كنا قادرين علي تقديم تلك العروض بأقل التكاليف والناس تستمتع بها, وفي الوقت نفسه لم يستطع المسرح التقليدي جذب جمهور تلقائي, ففي مسرح بيت السحيمي لا تجد مقعدا شاغرا لأن هناك شفرة جينيه تقول إن هذا المسرح بتاعنا أو مننا وهذا كان السبب في نجاح التجربة. وعن لاعبي الأراجوز في مصر يقول د. نبيل بهجت: إن عددهم الآن في مصر لا يتجاوز عشرة لاعبين لأن هناك مشكلة حقيقية فيمن يدعون أنهم لاعبون أراجوز وهم ليس لهم علاقة بهذه المهنة, فهو علي سبيل المثال لا يستخدم الأمانة وهي الأداة التي توضع في سقف الفم. وعن أشهر الروايات التي يقدمها الأراجوز يقول: علي الزيبق و أراجوز في مزاد وأراجوز دوت كوم و العرض الأخير وملك ولا أراجوز و جحا وحاكم المدينة و عرايسنا و صندوق الحكايات. ويضيف د. نبيل بهجت أنه كان لديه شعاران عند تأسيسه لفرقة ومضه, الأول أن لدينا ما يستطيع أن يعبر عنا, والشعار الثاني مصر لا تمتلك منتجا بحجم الثقافة تستطيع أن تسوقه وتعتمد عليه فالاراجوز منتج, فيجب أن يكون لديك تجربة وأن تستخدم ما لديك من أدوات, فنجيب محفوظ وصل إلي العالمية من خلال الحارة, ومن يرد أن يصبح عالميا يجب أن يبحث في محيطه, التجارب المحلية هي نقطة الانطلاق للعالمية, لدينا بلد عمرها7000 عام وهي جديرة بالبحث في تراثها, ولابد من توظيف ثقافتنا اقتصاديا وفرض اقتصاديات التراث والثقافة, وأن تثق الناس في واقعها, وان تتحول الثقافة إلي منتج علي أرض الواقع, فمثلا العروسة باربي تبيع كل عام بملايين, أين العروسة المصرية التي تبيع وفيلم أمريكي افاتار كان العائد منه8 مليارات دولار اي ما تنتجه بعض الدول البترولية,وهذا أبداع متجدد يساهم في تكوين صورة ذهنية عن الأمريكان تجعل المشاهد يتأثر ويصدق أن الأمريكان قادرون علي فعل أي شيء, نحن لو عرفنا كيف ندير الحجر فقط سوف نصبح من أكبر دول العالم و الحجر هنا يعني الآثار. ويؤكد د. نبيل بهجت أنه يقوم الآن بتعريف الرموز والشخصيات الوطنية للأطفال من خلال عرض يسبق عروض الأراجوز فهذا الشهر يتم التعريف بأحمد عرابي وسعد زغلول ومصطفي كامل لأن الفكر الوطني مهدد في مصر, نحاول من خلال عروض الأراجوز وخيال الظل أن نعيد تركيز الفكر الوطني داخل الأطفال لأن المدرسة الوطنية تبدأ من الطفولة.