البابا تواضروس يستقبل وفد من YMCA    «فرحات» يتفقد انتظام الامتحانات العملية بكليات جامعة المنيا الأهلية    إلزام البقالين بصرف الحصص المقررة بالأسعار المحددة    وزير النقل يزور مصانع «كاف» الإسبانية للإطلاع على إنتاج قطارات الخط الأول للمترو    بعد حصولها على أفضل المحافظات.. محافظ أسوان يكرم المساهمين بمركز نظم المعلومات    هل هي مراوغة جديدة؟!    اليونان تصادر كمية كبيرة من الكوكايين مخبأة في شحنة جمبري    الأهلي والترجي| نهائي إفريقيا تزينه الأرقام القياسية.. ونظافة شباك الفريقين أبرزها    عضو مجلس الزمالك يثير الجدل حول تجديد عقد زيزو    جمارك مطار برج العرب تضبط تحبط تهريب كمية من لوازم السجائر الإلكترونية    أول رد من أحمد الفيشاوي على تصرفاته الغريبة في العرض الخاص بفيلم "بنقدر ظروفك"    باقة التهاني بعيد الأضحى 2024: لحظات فرح وتلاحم    تعرف على فضل حج بيت الله الحرام.. الأزهر للفتوى: الحج كالجهاد وغفران للذنوب    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    وفد رفيع المستوى من ECDC يزور مستشفى شرم الشيخ الدولي    الصين تطوق تايوان بالسفن والطائرات.. مناورات محاكاة لحصار شامل    تصل ل350 ألف جنيه.. ننشر إجمالي تعويضات حادث معدية أبو غالب    «القاهرة الإخبارية»: المنظومة الصحية خرجت عن الخدمة بالكامل في غزة    جيش الاحتلال يعلن اغتيال محمد فران القيادى بحزب الله جنوبى لبنان    أحمد الفيشاوي يتجاهل الانتقادات ويروج ل«بنقدر ظروفك»    أميرة هاني: عبلة كامل من أفضل الأمهات الموجودة في الوسط الفني    محافظ أسيوط يبحث مع مركز المشكلات بجامعة أسيوط مواجهة الهجرة غير الشرعية    آخر موعد لتلقي طلبات وظائف الكهرباء 2024    إيقاف تشافي، عقوبات قوية من الاتحاد الأوروبي ضد برشلونة    توريد 76.6 ٪ من المستهدف للقمح المحلي بالإسماعيلية.. 48 ألفًا و137 طنا    وزير الدفاع: مصر تقوم بدور مهم وفعال لمساندة القضية الفلسطينية على مدار التاريخ    بمشاركة زعماء وقادة.. ملايين الإيرانيين يلقون نظرة الوداع على رئيسي (فيديو)    لا رادع لجرائم الإسرائيليين.. «القاهرة الإخبارية» تكشف الوضع المأساوي في غزة    أول تعليق من نورين أبو سعدة على انتقادات «قماصة»: الأغنية من 3 سنين    «قانونية مستقبل وطن» ترد على CNN: مصر ستواصل دعم القضية الفلسطينية    هل يجوز شرعا التضحية بالطيور.. دار الإفتاء تجيب    "نقابة المعلمين" تشكل غرفة عمليات لمتابعة امتحانات الدبلومات الفنية    أيام قليلة تفصلنا عن: موعد عطلة عيد الأضحى المبارك لعام 2024    مستشار الرئيس للصحة: مصر تمتلك مراكز لتجميع البلازما بمواصفات عالمية    «صحة المنيا»: تقديم الخدمات العلاجية ل7 آلاف مواطن خلال شهر    بعد تطبيق المنظومة الجديدة.. أسعار السلع على بطاقات التموين    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    أسعار البقوليات اليوم الخميس 23-5-2024 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    النائب محمد المنزلاوي: دعم الحكومة الصناعات الغذائية يضاعف صادراتها عالميا    بنمو 173%.. aiBANK يحقق 475 مليون جنيه صافي ربح خلال 3 أشهر    وزير الري يلتقي مدير عام اليونسكو على هامش فعاليات المنتدى العالمي العاشر للمياه    «المنيا» ضمن أفضل الجامعات في تصنيف «التايمز العالمي» للجامعات الناشئة 2024    «الصحة»: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشري HIV    إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكى فى أطفيح    فضل الأعمال التي تعادل ثواب الحج والعمرة في الإسلام    أول تعليق من دانا حمدان على حادث شقيقتها مي سليم.. ماذا قالت؟    نشرة مرور "الفجر ".. انتظام حركة المرور بميادين القاهرة والجيزة    مفاجأة.. الشناوي يتدخل لحل أزمة نجم الأهلي وحسام حسن    ل برج الجوزاء والميزان والدلو.. مفارقة كوكبية تؤثر على حظ الأبراج الهوائية في هذا التوقيت    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    رسميًا.. رئيس الزمالك يحسم موقف ناديه من ضم أحمد حجازي    «زى النهارده».. وفاة الكاتب المسرحي النرويجي هنريك أبسن 23 مايو 1906    الأرصاد: طقس اليوم شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمي بالقاهرة 39    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    «دول شاهدين».. «تريزيجيه» يكشف سبب رفضه طلب «أبوتريكة»    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    أتالانتا يضع حدا لسلسلة ليفركوزن التاريخية    طالب يشرع في قتل زميله بالسكين بالقليوبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صندوق طروادة الدولي

كان الحديث يدور مع صندوق النقد الدولي حول قرض يبلغ4.8 مليار دولار, وفائدة ضئيلة نسبيا تبلغ1.1%, وبغض النظر عن التصريحات العنترية الإخوانية التي رفضت قرضا سابقا من نفس الصندوق, وهاجمت من أجله حكومة الجنزوري,
وبغض النظر عن فعالية هذا القرض في إنقاذ الإقتصاد المصري, فأن ما ناقشناه مع فريق الصندوق تركز علي الشروط أو البرنامج الذي ينبغي أن تلتزم به الحكومة مقابل الحصول علي القرض.
وحيث أنه سبق لي أن واكبت تطورات الأوضاع في دول أمريكا اللاتينية في ظروف مشابهة, وقمت بعمل دراسات علي مرحلة التحول الديمقراطي في هذه الدول, فأن أبرز ملاحظة هي أن أغلب تلك الدول قد انصاعت لشروط الصندوق كي تخرج من أزماتها الإقتصادية, وكانت النتائج وخيمة.
فمن المعروف أن الصندوق يتبع مدرسة شيكاغو في الإقتصاد, وتركز هذه المدرسة علي أن الدولة تعرقل الإقتصاد, وأن التدخل الوحيد المسموح للدولة هو استخدام إمكانياتها القمعية ضد من يعترض علي حرية الأسواق.
تستند نظرية هذه المدرسة علي أن الدولة لا يجوز لها أن تمتلك أو تمارس أي نشاط اقتصادي, ويحظر عليها التدخل بأي شكل في تحديد الأسعار أو دعم بعض السلع أو استخدام وسائل حمائية لمنتجاتها المحلية, ولذلك فمن أبرز وصاياها أنه لكي تنقذ بلادك من أزمتها الإقتصادية, فعليك أن تبيعها.
ومن الطريف أن وصايا هذه المدرسة لم تجد تطبيقا مثاليا لها حتي في أكبر الدول الرأسمالية مثل أمريكا وبريطانيا حتي نهاية ثمانينيات القرن الماضي, حيث كان يستحيل علي هذه الدول أن تتخلي عن ملكية الدولة والمجتمع لبعض وسائل الإنتاج والخدمات الضرورية مثل الخطوط الجوية والسكك الحديدية والكهرباء والصحة والتعليم.. إلخ.
ومن أمثلة التطبيق في الدول المغلوبة علي أمرها مثل دول أمريكا اللاتينية في منتصف سبعينيات القرن الماضي, يمكن الإشارة إلي تشيلي, تلك الدولة التي تمتعت بنظام ديمقراطي لمدة تناهز150 عاما, وكانت تحظي بأوضاع اقتصادية معقولة, حتي وصل سلفادور الليندي إلي منصب الرئاسة عن طريق الإنتخابات, مدعوما باتحادات العمال القوية, ومسلحا بنظريات التنمية التي سادت في دول العالم الثالث خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي, خاصة فكرة التصنيع والإحلال محل الواردات, وتقريب الفوارق بين الطبقات, والتزام الدولة بدعم قطاعات الصحة والتعليم.. إلخ.
أضاءت علامات الإنذار في واشنطن, وذكر كيسنجر في مذكراته عن تلك الفترة مقدار الهلع الذي أصاب أمريكا في اطار الحرب الباردة سياسيا, إلا أن أوساطا أخري منها رهبان مدرسة شيكاغو الإقتصادية هبت مدعومة بالعديد من الشركات العملاقة متعددة الجنسية, ومعها بعض المثقفين الشيليين الذين درسوا وتخرجوا في هذه المدرسة, فضلا عن المخابرات المركزية الأمريكية.
لم يكن الهدف مجرد إسقاط الليندي, وإنما القضاء علي تراثه وعلي كل ما يمثله للاقتصاد الشيلي, وبالتالي تم الترتيب لإنقلاب عسكري, ثم تم توظيف النظام العسكري الجديد كي يقمع المعارضة بكل وحشية, تمهيدا لتطبيق النموذج المثالي لنظرية مدرسة شيكاغو.
كان الليندي يتصور أن الديمقراطية بمفهومها الليبرالي سوف تجعل الأغلبية المعدمة مساندة له, ولكنه كان رهانا خاسرا, فهو لم يأخذ في حسبانه دور الشركات العملاقة وحوارييها من مثقفي مدرسة شيكاغو, وحراسها من أجهزة المخابرات والأمن القمعية, كما أنه لم يدرك أو يتخيل البشاعة والقسوة التي تعامل بها النظام العسكري بقيادة بينوتشيه مع الشعب حيث تم الإنقضاض علي ممثلي الإتحادات العمالية والمثقفين, وتكميم الإعلام, وإعدام رموز المعارضة وإخضاع الشعب بالقوة السافرة.
وقام كهنة مدرسة شيكاغو علي الفور بإلغاء قرارات التأميم, وهرولت الشركات الأجنبية كالذباب حول أهم مصادر الدخل التشيلي تشتريها بأبخس الأسعار, وتخلت الدولة عن أي دور لها في النشاط الاقتصادي, وقد زادت ديون تشيلي خلال هذه الفترة أضعافا مضاعفة, وانتشر الفساد, ولم يعد لدي الفقراء في تشيلي حتي فرصة الإعتراض, نتيجة للقبضة الحديدية التي سيطرت علي البلاد.
ويجمع المحللون علي أن نجاح تطبيق النظرية الاقتصادية لمدرسة شيكاغو يحتاج في البداية علي الأقل إلي التوسع في قمع المعارضة حتي يتسني تمرير الدواء المرير, ويدعي كهنة هذه المدرسة أن معاناة الفقراء ستزيد فقط خلال الفترة الأولي من التطبيق, ويقدرونها بنحو خمسة إلي عشرة أعوام, وبعد ذلك ستلعب اليد الخفية للأسواق دورها في رفع مستوي معيشة كل السكان.
وتجدر الإشارة إلي أن أغلب الفريق الإقتصادي للنظام الأسبق في مصر كان من سدنة هذه المدرسة, وبالفعل كانوا يحاولون حل الأزمة الاقتصادية لمصر من خلال بيعها عن طريق برنامج الخصخصة, ولكنهم لم يجرأوا علي المس بالدعم, لأنه سيكون القشة التي تقصم ظهر البعير, ورغم الإستمرار في التطبيق لمدة تجاوز ثلاثين عاما, فأن أغلب الشعب المصري لم يشعر بأي عائد ملموس في تحسين أحواله المعيشية, وكانت النتيجة هي زيادة الفساد بكل صوره, مع اتساع الهوة بين الطبقات, في ظل ممارسات قمعية أدت في النهاية إلي الإنفجار..
علي من رضعوا مثل هذه النظريات ولم يفطموا منها بعد أن يدركوا أن ذلك هو طريق الندامة, وأن الشعب المصري لن ينحني أمام أي وسائل قمعية التي بدونها لا يمكن تطبيق هذه الأفكار الوحشية, وأن طريق السلامة هو حكومة رشيدة تراعي تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إجراءات عاقلة تهدف إلي إعادة توزيع الثروة والمشاركة العادلة في تقاسم الأعباء.. وهذا موضوع آخر...
لمزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.