علي مدي4 أيام ظل الأهرام في مفاوضات مستمرة حتي انفردنا بهذا الحوار الخاص والأول للصحافة العربية مع البروفيسور ريمون شينازي أستاذ طب الأطفال ومدير معامل البحوث الدوائية بجامعة إيموري بالولاياتالمتحدة والمبتكر للعديد من الأدوية لعلاج فيروس نقص المناعة البشري( الإيدز) والفيروس الكبدي ب وحديثا دواء جديد لعلاج الفيروس الكبدي سي والمعروف علميا باسمSofosbuvir والذي اعتمدته يوم الجمعة الماضي هيئة الغذاء والدواء الأمريكية باعتباره أول علاج للفيروس الكبدي سي تتخطي فاعليته90% وليست له أعراض جانبية تذكر ويساعد علي الشفاء من المرض. علي مدي25 دقيقة هي مدة الحوار الذي أجريته عبر الإنترنت صباح أمس مع العالم المصري المولد الأمريكي الجنسية والذي يشارك حاليا بمؤتمر دولي مهم في هاواي طرح العالم الكبير رؤيته للسياسات والاستراتيجيات التي يجب أن تتخذها مصر في مواجهة الفيروس الكبدي سي وطالب بأهمية ألا تنساق الدولة وراء الإسراع في شراء الدواء نظرا لسعره المرتفع حتي علي مستوي المواطن الأمريكي, وكذلك قلة البحوث التي أجريت علي الحالات المصرية المصابة بالفصيل الجيني4 للفيروس, والمنتشر بمصر مقارنه بالفصائل الجينية الأخري. كما طالب بأن تولي مصر الأولوية للإنفاق علي البحوث الدوائية وأن تصنع أدويتها بنفسها كما أبدي استعداده للتعاون في هذا المجال خاصة وأنه زار مصر مؤخرا عدة مرات وعلي تواصل دائم مع العلماء المصريين وإلي نص الحوار: منذ الجمعة الماضية ومع إعلان هيئة الغذاء والدواء الأمريكية عن اعتماد الدواء الجديد الذي ابتكرته ومصر تعيش حالة من الضجيج الإعلامي حول سبل توفير الدواء وسعره المكلف ما هو تعليقك علي هذا الأمر؟ للأسف المسألة كلها مرتبطة بالتكلفة الاقتصادية المرتفعة للدواء, وأعتقد أنه في بادئ الأمر من الأفضل التروي فالدواء مازال يخضع للتجارب السريرية في العديد من مراكزكم البحثية والمستشفيات بمصر خاصة وعدد الحالات المصابة بالفصيل الجيني4 لفيروس سي المنتشر في مصر والتي خضعت للعلاج قليل نسبيا مقارنة بالحالات المصابة بالفصيل الجيني1 أو الفصائل الجينية الأخري وبالتالي ليست لدينا نتائج إحصائية كافية علي الفصيل الجيني المنتشر ببلدكم وهذه نقطة أولي. ثانيا الحصول علي الدواء بسعره الحالي معضلة كبيرة حتي في الولاياتالمتحدة فإن سعر الدواء في الولاياتالمتحدة يقدر بنحو86 الف دولار لنصف البرنامج العلاجي والذي تصل مدته إلي12 أسبوعا وعلي ذلك فإن تكلفة البرنامج العلاجي حاليا مكلفة حتي علي مستوي المواطن الأمريكي والأوروبي فما بالك بمصر والدول النامية فتوفير الدواء حاليا بهذا السعر يهدد بإفلاس الدول النامية. في المقابل فإن النتائج الأولية للدواء مبهرة لأنه ببساطة ينقذ ملايين البشر حول العالم من شبح الموت إلا أنه علي الجانب الآخر فإن التكلفة المرتفعة للدواء أمر هام للشركات حتي تستعيد ما أنفقته والمؤكد أن هذه التكلفة ستنخفض بمرور الوقت مثلما حدث في أدوية أخري مثل أدوية علاج فيروس نقص المناعة البشري الإيدز. وحتي مع انخفاض سعر الدواء فإنه سيظل مكلف بالنسبة لمصر نظرا لارتفاع عدد المصابين ومعدل الإصابات بالفيروس. أضف إلي ذلك أن المريض في حاجة إلي دواء مكمل مع الدواء الجديد لضمان فاعليته في القضاء علي الفيروس وهو ما يضاعف من عبء الموازنة العامة للدولة لعلاج المصابين بالفيروس. فالعلاج اعتمادا علي الدواء الجديد وحده ليس كافيا. في تقديرك ما هي الاستراتيجية التي يجب أن تحذوها الدولة علي المدي القصير والبعيد لمواجهة الفيروس الكبدي سي؟ الأمر معضلة كبيرة ولايمكنك علاج كل المصابين بالفيروس الكبدي سي في مصر بهذا العلاج فبعض الحالات يمكنها الانتظار والاعتماد علي العلاجات التقليدية المتوافرة حاليا فالخوض في هذا الأمر بتلك الطريقة قد يهدد بإفلاس الدولة. وبالتالي من الممكن في خلال العامين القادمين البدء بعلاج المرضي الأكثر احتياجا بالدواء الجديد نظرا لتطور إصابتهم وحتي هذا الأمر مع الأخذ في الاعتبار عدد المصابين بمصر سيكون مكلف جدا. لكن علي مستوي آخر أري أن مصر يجب أن تتجه لتطوير وتصنيع أدويتها وأن توفروا لمرضاكم أدوية بنفس المستوي والفاعلية للأدوية الغربية وبسعر زهيد. وما أقوله ليس أمرا غريبا علي الدول النامية ففي دول جنوب شرق آسيا هناك بحوث دوائية رائعة وفي الوقت الراهن هذه الأدوية الزهيدة تباع حاليا في الولاياتالمتحدة وأوروبا في آسيا أصبحوا يصدرون لنا أدويتهم بفضل الجهود البحثية والعلمية التي يقوم بها العلماء والسياسيين في بلادهم. إذا أخذنا في الاعتبار مستوي البحث وجودة المعامل والباحثين والإنفاق علي البحث العلمي في مصر مقارنة بالغرب كيف يمكننا أن نحقق هذا الأمر في الوقت الراهن؟ أعتقد أنه يجب أن تعتمدوا علي أنفسكم في هذا الأمر ولا تنتظروا طرح الأدوية في أوروبا والولاياتالمتحدة. يجب أن تنفقوا وقتا ومالا أكبر في تصنيع أدويتكم وعلاج مرضاكم بنفسكم. هذه الاستراتيجيه كان يجب احتذائها في مصر منذ سنوات وليس الآن. شركتي التي ابتكرت الدواء صغيرة وتعتمد35 باحث فقط ولقد أنفقت من مالي الخاص وبحثت عن الدعم من المؤسسات البحثية الدولية حتي ابتكر هذا الدواء. أنتم في مصر تمتلكون كفاءات وخبرات علمية كبيرة ورغم ذلك لا تولون القدر الأكبر من الأهمية للتعليم والبحوث العلمية ولاتنفقون علي البحوث بقدر إنفاقكم علي العلاج, لا أفهم لم لاتوجد بحوث دوائية لابتكار دواء مصري بكل هذه الخبرات العلمية, لقد زرت مصر مرتين آخرهم قبل30 يونيو خلال حكم الرئيس محمد مرسي وتنقلت بين المعامل والمراكز البحثية كما أنني علي اتصال دائم بعلمائكم وأطبائكم في مصر. وبالنظر إلي كل ما تملكوه من خبرات معرفيه ومراكز بحثية وعلماء فالوقت ليس متأخرا للبدء في ابتكار وتصنيع أدوية جديدة لعلاج الفيروس الكبدي سي. أنتم تنفقون سنويا ملايين الدولارات لعلاج بضع آلاف من المرضي ومعدلات العدوي والأعداد من المصابين مازالت مرتفعة والأعلي عالميا لذلك من الأجدر إدارة هذه الأموال بشكل أفضل في البحوث الدوائية وفي التوعية والحد من انتقال العدوي حتي لا يصاب من تم علاجهم بالفيروس من جديد. ما هي الصيغ التفاوضية التي يجب أن تخوضها مصر مع الشركة المصنعة للدواء؟ يجب أن أوضح أولا أنني ليست لي علاقة بالشركة المصنعة بعد أن اشترت مني الدواء وما أراه هو أن لجنة المفاوضين من مصر الممثلة في د.منال حمدي السيد ود.جمال عصمت ود.وحيد دوس تسعي للحصول علي أفضل سعر لمصر كما أن الشركة المصنعة أعلنت أنها ستمنح سعرا تفاوضيا للدول الأكثر إصابة بالمرض وهي بالتأكيد مصر ودول أخري في العالم النامي. وأعتقد أن هذه المفاوضات ستتم علي مدار عام2014 وهو ما يتوازي مع طرح النتائج البحثية علي الدواء في مصر وكذلك طرح أدوية جديدة منافسة لشركات أخري. هذا التنوع في الأدوية سيكون فرصة جيدة لمصر لاختيار الدواء الذي يحقق فاعلية أكبر خلال وقت أقل وكذلك أقل وأفضل سعر لمصر. هل تتفاوض مصر مع الهند ودول جنوب شرق آسيا والتي عادة ما تقوم بمخالفة حقوق الملكية الفكرية وتصنيع الدواء, كمحاولة للحصول علي الدواء بسعر زهيد ما رأيك في هذا الأمر؟ بالطبع يعد مخالفة لحقوق الملكية الفكرية ويضع مصر وكل الدول المنتجة له دون الحصول علي الترخيص في أزمة دولية كبيرة. وأعتقد أنه من الأجدي إذا أخذنا اقتراحك في الاعتبار فمن الأفضل ألا تعتمد مصر علي الهند أو أي دولة أخري وأن تصنع هي الدواء. وبالعودة إلي مسألة الصيغ التفاوضية فإن امتلاك الدولة القدرة علي تصنيع الدواء قد يكون ورقة ضغط إيجابية عند التفاوض مع الشركات مثلما هو الحال عند تفاوض كل من البرازيل أو الهند مع الشركات الأوروبية والأمريكية. وبالنظر إلي عدد المصابين في مصر والذين يقدرون بنحو14 مليون نسمة فأعتقد أنه يجب أن يكون هناك استثمار أمثل لملايين الدولارات التي تنفقوها كل عام كأن تقترحوا علي الشركات الحصول علي رخصة للتصنيع المحلي للدواء في مقابل الملايين التي تنفقوها لعلاج بضعة آلاف وأن تكون الرؤية واضحة ومحددة عن النسب التي ستعالج كل عام وكيف سيتم مضاعفتها بحيث تكون مصر خالية من فيروس سي في غضون سنوات محددة. وفي الوقت ذاته كيف ستقللون من احتمالات العدوي بالمستشفيات أو عبر نقل الدم حتي لايصاب المرضي من جديد من خلال نشر التوعية وتطبيق نظم موحدة للحد من العدوي. هذا التدرج والرؤية في التعامل مع مشكلة كبيرة مثل عدد المصابين بفيروس سي في مصر قد يحمس الكثير من الشركات والمنظمات الدولية أن تضحي بجزء من المال في مقابل إنقاذ ملايين البشر من الموت. ابتكرت العديد من الأدوية في مجال الفيروس الكبدي ب والإيدز وبدأت بحوثك في ابتكار دواء للفيروس الكبدي سي منذ عام1998 حتي حققت تلك النتيجة المبهرة في دوائك الجديد. هل انتهت أبحاثك في مجال فيروس سي؟ بالطبع لا, فالهدف الآن هو التوصل لدواء واحد أفضل مما توصلنا له في الشفاء من الفيروس خلال فترة زمنية أقل ودون أن يسبب أعراضا جانبية وبفاعلية مرتفعة. وهذا الأمر محل بحثي في الوقت الراهن من خلال شركتي الخاصة كما أنه ليست لي أي أهداف من الربح من وراء هذه البحوث التي أجريها وأقوم حاليا بنقل خبراتي لكل العلماء من مصر والصين وروسيا وأوكرانيا ولدي الاستعداد للتعاون ودعم البحوث في هذا المجال حتي تتوافر أدوية فعالة وزهيدة الثمن للقضاء علي الفيروس الكبدي سي. أخيرا كيف يمكن لمصر أن تستفيد من خبراتك العلمية ؟ أنا علي اتصال دائم بأعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة الفيروسات الكبدية واستمع لهم باستمرار وأنقل لهم خبراتي ولدي الاستعداد لمساعدتكم في دعم البحوث الدوائية خلال زياراتي المتكررة لمصر ولي ذكريات طيبة خلال مرحلة طفولتي فأنا ولدت بالإسكندرية لأسرة إيطالية عاشت لعقود طويلة فجدودي عاشوا وماتوا بمصر كما أنني تلقيت مراحل تعليمي الأولي بمصر وأدين بالفضل لجودة مستوي التعليم الذي تلقيته في تلك السنوات وكما تقولون فإن من يشرب من ماء النيل لابد أن يعود لمصر مرة أخري وأتمني في هذه المرحلة من حياتي أن أساهم في خفض معدلات الإصابة بفيروس سي في مصر.