عندما قاد جمال عبد الناصر الثورة ليلة23 يوليو1952 وأصبح في دائرة اتخاذ القرار أصدر قانون الإصلاح الزراعي لتوزيع الأرض علي الفلاحين المحرومين, وقانون منع الفصل التعسفي للعمال, وقانون بتخفيض إيجارات المساكن.. إلخ. وبمثل هذه الإجراءات احتل مكانته في قلوب جمهرة المصريين الذين شعروا بالأمان علي حياتهم فخلعوا عليه لقب حبيب الملايين, فلقد كان يتصرف بإحساس فقراء الفلاحين والمعدمين الذي كان يجلس وسطهم ويشرب من قلة الماء التي يشربون منها دون أن يتأفف. ولم تكن تغريه كلمات المديح المبطنة بالنفاق, فقد كان يعرف نفسه حق قدرها. فعندما اقترح البعض تعيينه رئيسا مدي الحياة رفض لأنه أدرك روح النفاق وراء الاقتراح, وعندما اقترح البعض إقامة قرية بني مر بشكل نموذجي رفض قائلا: يجب أن نبني أولا خمسة آلاف قرية نموذجية في مصر وبعدها يأتي الدور علي بني مر. وتلقي ملايين الجنيهات علي سبيل التبرع ففتح بها حسابا جاريا بالبنك الأهلي استخدمه لصالح المصريين مثل تبرعه لاستكمال بناء مسجد منشية البكري بعد أن عرف بعجز الجمعية الخيرية التي تبنيه عن استكماله. لقد كان رجلا ضد الاحتواء إذ كان يعي أساليب الاحتواء ويفهم لغة الغرب الأوروبي-الأمريكي الناعمة للوصول إلي الهدف حتي لقد كان يقول في عفوية بسيطة: إذا مدحني عدوي فهذا معناه إني ماشي غلط.. أي ماشي في سكته. وإذا مر يوم دون أن يسمع بنفسه انتقاد الإذاعة البريطانية العربية له يراجع نفسه ويبحث عن الخطأ الذي ارتكبه فلم تنتقده الإذاعة كما تفعل دائما. وفي هذا الخصوص لنا أن نتأمل بعض كلماته الكاشفة لخطاب الإغراء والاحتواء فعندما أوقفت أمريكا مباحثات حصول مصر علي القمح(21 ديسمبر1964) قال: نحن لا نبيع استقلالنا من أجل القمح.. وإن المساعدات الأمريكية لا تعطي الحق لأمريكا لفرض سياستها علي مصر.. واللي مش عاجبه كلامنا يشرب من البحر.. وإذا كان البحر الأبيض لا يكفيه قدامه البحر الأحمر كمان. وفي14 أبريل1966 قال: إننا لم نعد نريد قمحا أمريكيا طالما كان المقابل تمرير صفقات سلاح لإسرائيل. وهو الذي قال إن البنك الدولي لكي يعطيني مساعدات يطلب مني رفع الدعم عن السلع.. وإن الاستجابة لهذا الطلب معناه إشعال ثورة الجماهير. لقد جاءت قوته وصلابته من استقامته فلم يطرأ علي نمط معيشته في المأكل والملبس أي تغيير بعد رئاسته وعندما مات كان في حسابه في البنك الأهلي المصري610 جنيهات.