لماذا اندلعت ثورات الربيع العربي وماهو كشف حساب المكسب والخسارة؟ ماهي الفرص طويلة الأمد وماهي الاولويات الخاصة بهذه الدول؟ وكيف يمكن لمجموعة العشرين والاممالمتحدة صياغة خطة طريق استراتيجية ووضع الخيارات لتقديم الدعم لهذه الدول؟ تلك هي أبرز التساؤلات التي طرحتها مجموعةgeopolicity في تقريرها الصادر في أكتوبر2011 وبالنظر الي انها متخصصة في ادارة عمليات التحول المتشابكة والتي تتداخل فيها الأبعاد السياسية والامنية وكذلك الاقتصاد الاجتماعي, كما ان التحديات الأكبر التي تواجه مصر حاليا تتركز في مجالات الأمن والاقتصاد الكلي وكذلك الاقتصاد الاجتماعي حيث ان الانتخابات البرلمانية اظهرت ان الممارسة الديمقراطية قد طرحت بذورها الأولي, يكون من المفيد التعرف علي رؤية هذه المجموعة لكيفية الخروج من مأزق التحديات المتشابكة الراهنة وكيف يمكن تفعيل الدور الدولي في تقديم الدعم والمساندة؟ وقد اشار التقرير الي عنصري المفاجأة والمباغتة اللذين حملتهما ثورات الربيع ابتداء من تونس الي مصر مرورا بكل من ليبيا واليمن وسوريا وصولا الي البحرين وانعكاس ذلك علي العديد من المناطق الساخنة في كل من المغرب والمشرق العربي وكذلك منطقة الخليج علي حد سواء. واستند في رؤيته الي فشل كل وكالات المخابرات في التنبؤ بهذه الثورات التي اندلعت من داخل هذه الدول والتي أدت الي تغيير الصورة النمطية للعالم العربي فاظهرته عبر الشاشات التليفزيونية مطالبا بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وقد ارتكزت تلك الحركات الشعبية الثورية علي جيل من الشباب الذي استخدم شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة وكان لها انعكاساتها في امريكا واوروبا وهو ماكان عليه الوضع في مصر. اما الاسباب فقد اختلفت من ليبيا الي اليمن مرورا بسوريا. فعلي الرغم من ان الحرية الشخصية تبدو هي الجذور الحقيقية لهذه الثورات فإنها تفتقر الي وجود اجندة سياسية واحدة وتحديد لغة موحدة تجمع مطالب المتظاهرين, فهناك الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية وإذا كان ميثاق المواطنة مطلبا مطروحا إلا انه يترجم بمفاهيم مختلفة من قبل العلمانيين الليبراليين والجماعات الدينية والقبلية في هذه الدول. ومن هنا يكون العالم العربي أمام مفترق الطرق إما الارتداد والانتكاسة للاصلاحات مقابل اهتمامات خاصة او ان يتقبل الشفافية والعدالة الاجتماعية والتكامل العالمي.. ووسط هذا التباين وعدم التيقن تبدو هناك حقيقة اساسية لايمكن اغفالها ألا وهي الاهتمام العالمي بوصول هذه الثورات الي نتائج نهائية وذلك لما يعنيه العالم العربي الجديد للتجارة الدولية والنضج السياسي والأمني للدول الأخري. وهذا مايفسر من وجهة نظر التقرير التكلفة المالية التي تحملتها قوات الناتو والغرب في ليبيا1.4 مليار دولار, بالاضافة الي1.3 مليار دولار لدعم المجلس الانتقالي والوعود المالية التي اطلقت لدعم عملية التحول في كل من مصر وتونس والتي قدرت بعشرين مليار دولار ولكنها تحولت الي قطرات كما أن حرص العالم علي تطورات هذه الثورات ناجم عن الاحتمالات المستقبلية لانعكاساتها علي النقاط الساخنة في المنطقة ابتداء من العراق ولبنان والسودان وحتي اسرائيل والاراضي الفلسطينية المحتلة. حساب الخسارة والمكسب: اوضح التقرير ان التكلفة المباشرة للثورات الاجتماعية في العالم العربي تتجاوز المنافع والمكاسب قصيرة الاجل فهناك مليارات الدولارات التي أهدرت نتيجة انخفاض الانتاج كما ان فشل الحكومات في الوفاء بمطالب المجتمع المدني ادي الي تحول الايرادات العامة عن الاستثمار الرأسمالي ولتكون الحلقة المفرغة من خسائر الانتاج, بالاضافة الي الاعباء المالية المتعلقة بالقانون والنظام ولكن في حالة قيام الحكومات الجديدة المنتخبة او السلطات الانتقالية بعبور تحديات الشفافية والمصداقية فان النتائج طويلة الآن لثورات الربيع العربي سوف تحمل نتائج ايجابية علي صعيد العدالة الاجتماعية وتمثيل كل طوائف المجتمع والمصداقية وبخاصة بالنسبة لمطالب الشباب. فالخيار المنطقي امام أي حكومة ذات مصداقية وشفافية يتمثل في تفهم اسباب نزول العامة وفتح حوار معها. وفيما يتعلق بالخسائر فقد اشار التقرير الي ان التكلفة الاقتصادية لثورات الربيع العربي تقدر ب378.51 مليار دولار لعام2011 فقط. كما ان التكلفة بالنسبة للتمويل العام بلغت18.89 مليار دولار خلال ذات الفترة نفسها وذلك بالنسبة لكل من ليبيا مصر تونس سوريا اليمن والبحرين. طبقا لبيانات صندوق النقد الدولي وبما يعني ان الاجمالي367.43 مليار دولار موزعة علي اساس: 76.7 94.6 مليار دولار علي التوالي بالنسبة لليبيا,93.1 58.4 مليار دولار لسوريا.. اما مصر فان الارقام هي27.4 52.5 مليار دولار علي التوالي وباجمالي يقدر ب97.9 مليار دولار في حين تتضاءل الارقام بالنسبة لتونس(2.03 94.0 مليار دولار البحرين(93.0 96.0 مليار) اما اليمن فهي(21.0 68.0 مليار دولار). وبالنسبة لمصر بصورة تفصيلية فان نظام الحكم السابق من حيث الممارسة السياسية وارتفاع البطالة وبخاصة بين الشباب مع انتشار عدم المساواة الاجتماعية أدي الي تراكم أهرامات من الظلم الاقتصادي الاجتماعي. وقد كانت التكلفة الاقتصادية لثورة الربيع المصرية عالية من حيث انكماش معدل النمو الاقتصادي المتوقع الي2.1% لعام2011, ناهيك عن أن استنزاف مليارات من الاحتياطي النقدي وزيادة الانفاق الاجتماعي, ادي الي تضخم العجز المالي بنسبة25% اضافية وإذا كانت الجهود الرامية الي تخفيف أعباء المعيشة عن الفقراء إلا انها ستؤدي في الوقت نفسه الي زيادة الاستهلاك من السلع الاساسية ودعمها المالي بالتالي مما يعني حلقة مفرغة بين العرض والطلب ويتوقع ان يصل العجز المالي الي12 مليار دولار في السنة المالية2011 .2012 إلا انه توجد فرص مواتية في حالة الاستمرار في الاصلاح السياسي وممارسة الديمقراطية حيث ستؤدي الي تحرير السوق وانتقال النموذج الي دول أخري مازالت القوي الاوتوقراطية تمسك بمقاليد الحكم فيها. وفي جانب المكسب اشار التقرير الي ان الدول المنتجة للنفط هي الرابحة وعلي النقيض من الدول المستوردة حيث شهدت كل من السعودية ودولة الامارات قطر والكويت زيادات في ايراداتها العامة نتيجة خروج كل من ليبيا واليمن من دائرة الانتاج البترولي. وقد استطاعت هذه الدول الرابحة اتخاذ اجراءات مالية احترازية وبصورة مسبقة ممامكنها من تجنب الاحتجاجات العامة. فصل جديد ام مجرد هوامش؟ المخاطر التي تواجه ثورات الربيع العربي واضحة وجلية للعيان طبقا للتقرير إذا لم يتم تفعيل قوة الدفع وعوامل التغير في كل دولة فقد تتحول من فصل جديد في تاريخ العرب الي مجرد هوامش علي قصة قديمة, فالقيادة العربية ضرورة للنهضة العربية وهذا يقتضي تضافر الجهود بين الزعماء وجامعة الدول العربية وبدعم من المجتمع الدولي مع التركيز علي تقوية الحريات السياسية والشفافية في استغلال الموارد والثروات الطبيعية. كما يعني وجود خطة طريق للمنطقة العربية في المجالات السياسية والامنية والاقتصادية تستند إلي الاستقرار اولا والاصلاح ثانيا. حيث ان وجود مثل هذه الخطة يعد امرا ضروريا للدخول في مشاورات مع مجموعة العشرين والدول الثماني لتقديم مساعدات مالية, فالاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين سيكون ذا تأثير محدود في عملية الاصلاح لانها تهدف بالاساس الي دعم اهداف الاستقرار علي صعيد الاقتصاد الكلي حيث يلاحظ ان الدعم الدولي لثورات الربيع العربي جاء قاصرا عن التوقعات فالدعم الذي وعدت به قمة الثماني في مايو2011 لم يتم تفعيله بصورة عملية الي حد كبير.. كما ان المائة مليار دولار التي وعد بها من خلال المؤسسات المالية لبريتون وويدز تحولت الي قطرات في افضل الاحوال حيث انها قائمة علي القروض مع التركيز علي الاقتصاد الكلي ومجموعة محددة من الدول بمايتفق ومنهج الجزرة والعصا لتحقيق الاستقرار الاقليمي.. اما البطء في الدعم الأوروبي لدول الربيع العربي فقد نجم عن انتهاج بريطانيا وفرنسا سياسة ومواقف استراتيجية متشددة تجاه ليبيا بالنظر الي مواردها الطبيعية ذات الأهمية الاستراتيجية, يضاف الي ذلك الأزمة المالية التي شهدتها اوروبا نتيجة الانفاق العسكري الضخم في كل من افغانستان والعراق واخيرا غياب خريطة الطريق لتسهيل وجذب كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبالانتقال الي الاممالمتحدة يري التقرير ان هناك ضرورة لتغيير اداء المنظمة الدولية لمهامها في العالم العربي بحيث تنتقل من قاعدة كل دولة علي حدة الي اطار اقليمي مؤسساتي عبر الوكالات والبنك الدولي وبحيث تدخل في اهتمامات مشتركة مع جامعة الدول العربية من جانب ومجموعة الثماني والعشرين من جانب آخر. واخيرا يري التقرير انه وحتي لا تتحول الثورات العربية الي مجرد هوامش وليس فصلا جديدا في التاريخ فانه يتعين ان توضع مؤشرات للحريات السياسية وتحقيق المزيد من الشفافية والتمثيل السياسي جنبا الي جنب مع المؤشرات الاساسية للاداء الاقتصادي والاجتماعي والمزيد من التنوع في الهيكل الاقتصادي, بهذا فقط تكون ثورات الربيع العربي صفحات جديدة وليست صفحة واحدة في التاريخ.