بالرغم من أنه تلاحق بعده تسعة رؤساء علي سدة حكم الولاياتالمتحدةالأمريكية, إلا أن رحيله مازال يمثل لغزا كبيرا لم يجد حلا حتي وقتنا هذا, أنه جون كيندي الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة الذي لم يقض في البيت الأبيض سوي عامين ليودعه العالم في مشهد أثار تعاطف الجميع, بعد أن اغتيل عام1963 أثناء مرور موكبه بتقاطع شوارع دالاس خلال زيارته لمركز تجاري في ولاية تكساس الأمريكية. وقد توصلت التحقيقات التي أكدتها لجنة وارين تحت رئاسة المحكمة العليا آنذاك أن من قام بعملية الاغتيال, يدعي هارفي اوزوالد لا ينتمي لأي جماعة أو فصيل معين, وانه تصرف من تلقاء نفسه بشكل منفرد جعل الكثيرين غير مقتنعين بنتائجها, ليصفها الفيلسوف البريطاني برتداند راسل, قائلا إن تقرير لجنة وارين وثيقة عاجزة عن الإقناع وهذا ما أيده مواطنو الولاياتالمتحدة, خلال استطلاع للرأي أفاد بأن19% فقط من الأمريكيين يؤيدون نظرية مطلق النار الواحد, لتدور مجموعة من أسئلة في فلك المؤامرة, مما جعل هذه القضية تحظي بسحر كبير وتعطي للكثير من الكتاب خيالا خصبا لتفسير ما حدث وفق حجج ارتأوها مناسبة لتفسير وجهة نظرهم. ليطل علينا في الأيام الأخيرة المؤلف الأمريكي لاري سباتو أستاذ العلوم السياسية بجامعة فرجينيا, بعد مرور خمسين عاما بحقائق جديدة أثارها في كتاب, تحت عنوان كينيدي نصف قرن طارحا علامات استفهام بشأن ما خلصت إليه لجنة الاغتيالات, خاصة أنها لم تقم بأية محاولة للإجابة بنعم أو لا عن السؤال الأهم, هل نفذت رصاصة واحدة في جسمي جون كينيدي وجون كوناللي حاكم تكساس الذي أصيب في الحادث؟ والذي أصر في التحقيقات علي أن رصاصة ثانية أصابته, مما يؤيد ما ذهبت إليه الشكوك بأن أوزوالد لم يكن القاتل الوحيد, حيث أنه سمع صوتا, وأدرك في التو أنه صوت رصاصة انطلقت من بندقية, وحين أدار رأسه لينظر إلي كينيدي شعر بأن رصاصة ثانية انطلقت وأصابته, ويعزز شهادته خبراء الأسلحة بعد إثباتهم بالبراهين أن البندقية التي استخدمت في الجريمة لم تكن تستطيع أن تطلق رصاصة واحدة كل ثانيتين وثلاثة أعشار الثانية. علاوة علي ذلك يمكن القول أن اغتيال كنيدي جاء في أصعب مراحل توتر العلاقات الأمريكية السوفيتية خلال الحرب الباردة ليحيط اغتياله بهالة من الشكوك حول الاتحاد السوفيتي سابقا, ومما زاد في حدة هذه الاتهامات إن قاتل كيندي كان شيوعيا وعاش فترة من حياته في الاتحاد السوفيتي السابق وتزوج من روسية رافقته عند عودته إلي الولاياتالمتحدة, بالإضافة إلي الاستخبارات الأمريكية التي ظلت تحت دائرة الضوء باتهامها باغتياله من خلال تعاونها مع المجمع الصناعي العسكري الأمريكي لأن كيندي أراد أن ينهي الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي مبكرا مما كان سيوقف بالضرورة عجلة الحياة الاقتصادية العسكرية. وفي اتجاه أخر تذهب الشكوك إلي أن الكوبيين هم من نفذوا عملية الاغتيال, بعد أن أكد صحفي أمريكي أخيرا يدعي ادوار أبستين خصص رسالته في حادث اغتيال كيندي, مصرحا في حوار له مع جريدة لوبوان الفرنسية, أن من وقف وراء قتل كيندي من وجهة نظره هو الرئيس الكوبي فيدل كاسترو, خاصة انه كان لدي الأخير دافعه وهو أن كينيدي حاول اغتياله, كما أنه هدد كينيدي بالانتقام منه قبل وفاته بتسعين يوما, مضيفا أن اوزوالد كان مؤيدا لنظام كاسترو, والذي سنحت الفرصة عندما توجه إلي المكسيك بمطالبة الحصول علي تأشيرة السفر إلي كوبا, قبل ستة أسابيع من عملية الاغتيال وفي هذا التوقيت, تمكنت أجهزة المخابرات من التخطيط لاغتيال كيندي, ومن هنا يري أبستين أن امتلاك اوزوالد تأشيرة سفر إلي كوبا في وقت الاغتيال كان للفرار إلي هناك. كل هذه الأدلة والبراهين تذهب إلي نتيجة واحدة مفادها هو أن اغتيال جون كيندي لا يخرج بعيدا عن إطار المؤامرة, ليبقي السؤال الأهم هو هل ستكشف الولاياتالمتحدة في يوم ما عن الوثائق الحقيقية خاصة ونحن في قلب عالم كل يوم يكتشف فيه حقائق تذهل كل من يتعرف عليها أم سيظل هذا اللغز بلا إجابة؟