إن الإنسان/ الشخص المسلم- ولا نقول الفرد إلا قليلا! يواجه ظاهرة تداخل الأزمنة وتعايشاتها وتناقضاتها في بنيته النفسية وضميره, علي نحو قد تؤدي في عديد الأحيان إلي شروخ نفسية, وأزمة روحية بين زمنه الشخصي والعائلي وفي إطار الجماعة والمنطقة, وبين زمن حياته اليومية المعاصرة التي يتداخل فيها الزمن الكوني أو العولمي, وبعض الزمن الحديث والمعيشي, وبين الزمن الديني الذي يحمله الخطاب الديني المحافظ, والمتزمت أو الراديكالي العنيف, الذي يركز علي ضرورة عودة الزمن المؤسس علي أيدي الرسول الأعظم( صلعم) والخلفاء الراشدين والتابعين, أو عودة بعض رجال الوعظ والإرشاد والإفتاء, وإيديولوجيي بعض الجماعات الإسلامية السياسية إلي الزمن الإيديولوجي الذي يجاور الزمن الديني لمرجعياتهم الفقهية والأفتائية, ونقصد به التمحور حول أفكار بعض الفقهاء من تابعي التابعين.. إلخ. تتناسل أفكار بعضهم من داخل بعض المذاهب الفقهية, حول شروح الشروح وهوامش الهوامش للأمام المؤسس, والتي قد يجنح بعضهم إلي التشدد في فهمها وتأويلها ومن ثم, عدم الاجتهاد والميل إلي التفسير الحرفي أو النصوصي لآراء الإمام المؤسس للمذهب, أو القياس عليها, أو استيلاد تأويل أكثر تشددا لها لمواجهة بعض تحديات أو أسئلة قبيلته أو عشيرته أو جماعتة أو منطقته- علي اختلاف أماكنهم وزمنهم وأسئلتهم ونظامهم القيمي والعرفي.. الخ-, وهو الأمر الذي يؤدي إلي إنتاج خطاب ديني/ مذهبي/ فقهي وإفتائي ووعظي يمثل إعادة إنتاج لزمن الفقيه أو المفتي المتبوع. أن ظاهرة المد السياسي والاجتماعي للجماعات الإسلامية, السياسية المحافظة, حملت معها هذه الأنماط الخطابية المتشددة والراديكالية التي تحمل الزمن الديني للتابعين وتابعي التابعين....إلخ, والذي يتحول في خطاب إيدولوجيي هذه الجماعات إلي زمن إيديولوجي, تتناسل حوله الحواشي, والأسئلة الفرعية والأصول والنماذج القديمة التي تستعاد وكأنها أسئلة الواقع المعيش بكل تعقيداته وتنقاضاته! لا شك أن عديد الأسباب تكمن فيما وراء ظاهرة تداخل الأزمنة في ضمير ووعي المصري المسلم المعاصر يمكن لنا رصد بعضها تمثيلا لا حصرا فيما يلي: الآثار السلبية لقفل باب الاجتهاد, الذي أدي إلي الجمود الفقهي, والخوف رهاب- من التجديد في الفكر والفقه الإسلامي عبر عديد المراحل التاريخية, التي تأثر فيها فقه التابعين وتابعيهم.. إلخ, بظواهر الاستبداد السياسي ذو الأقنعة الدينية والفقهية, ومطاردة العقول الإسلامية المجتهدة والمبدعة, لأنها تطرح من الأسئلة والاجتهادات, ما قد يؤدي إلي زعزعة يقينيات هيمنت علي العقول والضمائر, وتدثرت بمصالح سياسية واجتماعية ودينية وضعية وقبلية وعشائرية وذاتية لدي بعض رجال الفقه والوعظ والإفتاء في علاقاتهم بالحكام المستبدين أو مع ذوي الحظوة والنفوذ والمكانة في مناطقهم أو قبائلهم أو جماعتهم! نزعة تقديس أو أسطرة بعض آراء الفقه الوضعي, اعتمادا علي وزن ومكانة وتأثير الفقيه/ الأمام/ المؤسس للمذهب. من ناحية أخري نزوع بعض رجال الدين وإيديولوجيي الجماعات الإسلامية السياسية, إلي إسناد أهمية وأصالة علي آرائهم المستمدة من اجتهاد بشري قديم, واكتسابهم وزنا وقيمة ارتكازا علي أرث الفقيه المؤسس أو بعض تلاميذه والتابعين. النزعة اللا تاريخية في دراسة وتعليم المذاهب الفقهية علي تعددها في إطار فقه الجمهور السني أو المذاهب الأخري. هذا المنهج يخلع قداسته علي الفقه الوضعي بوصفه اجتهادا بشريا ووضعيا, وتحويله إلي نص شبه مقدس, أو الأحري واجب الأعمال. لا شك أن تدريس الفقه دون تاريخه- علي نحو ما كان يتم في الأزهر الشريف وفي بعض كليات الحقوق علي أيدي بعض المشايخ العظام لاسيما في عقد الأربعينيات من القرن الماضي, وما بعد- أدي إلي إسقاط البعد المنهجي والتاريخي/ الجغرافي/ السياسي/ الثقافي/ الاجتماعي/ الاقتصادي.. الخ, في معالجة المشكلات والظواهر والأسئلة الحديثة والمعاصرة, وفق القواعد المستقرة للاجتهاد, ومراعاة الأعراف والقيم المعاصرة... الخ. انكسار موجة التجديد في الفكر الديني الإسلامي حول الأزهر وكليات الحقوق, والمجامع الفقهية, تحت وطأة ثورة عوائد النفط, وموجات الجماعات الإسلامية الراديكالية, وانتشار العنف السياسي ذي الأقنعة الدينية التأويلية والإيديولوجية وتأثر مراكز الاجتهاد بهذا التغير السياسي/ الاقتصادي والفقهي هيمنة الاستبداد السياسي السلطوي, والفقهي والمذهبي الذي استخدم الدين وتأويلاته وأزمنته القديمة في دعم شرعية الاستبداد أيا كان نوعه. تداخل الأزمنة وتناقضاتها, يمكن ملاحظته في الخطابات اليومية الشفاهية, والكتابية, وفي لغة بعض المشايخ ورجال السياسة أيا كانت انتماءاتهم- وفي الدروس الدينية, وفي شروح بعض المعلمين والمعلمات للطلاب والطالبات في المدارس, وفي كتابات الصحفيين, ومقولات رجال الإعلام المرئي والمسموع. يمكنك أيضا ملاحظته في أنظمة الزي, وفوضاها وموضاتها, وفي سلوك الرجال والنساء ومرموزات الإشارة, والتعامل مع المشكلات الفردية, والفئوية, والجماعية... الخ. هل يشكل هذا التداخل بين الأزمنة والوعي بها بعض التناقضات داخل الفرد المسلم المعاصر؟ ألا تمثل التصورات المتخيلة حول الهوية التي تم تحديدها سلفا في الزمن الديني المؤسس أو الوسيط أو الحديث- تعبيرا عن الحنين لاستعادة الزمن المؤسس بكل ألقه وطهرانيته؟ ألا تشكل سياسة الهوية الأحادية وتجلياتها وتعريفاتها المعاصرة لدي كثيرين علي الساحة السياسية- وفي أروقة الجدالات حول الدستور- هي استعادة لأزمنة تحول بعض المذاهب والمدارس الفقهية أو السياسية إلي أيديولوجيا بكل ما تحمله من معان بها من الالتباسات, والغموض والمفارقة عن الواقع الموضوعي, وربما الاستعلاء علي مشكلاته وتعقيداته واتجاهات الجمهور, والأخطر نزعة للهيمنة الرمزية والدينية الوضعية والسياسية علي هويات الأمة, ومكوناتها علي اختلافها في إطارها الجامع؟ هل النزعة النصوصية وتقديس بعض النصوص الدستورية وصياغاتها المغلقة هو أحد تجليات المعني المغلق لمهفوم الهوية وسياساتها الرامية للهيمنة والسيطرة علي حالة التعدد داخل تركيبة الأمة والمجتمع؟ ألا تشكل النصوصية مدخلا للسيطرة علي الألة التشريعية, والسلطة القضائية بدءا من الدستور, لإعادة صياغة نمط الحياة الحديث والمعاصر, ومحاولة قولبته في بعض النماذج التاريخية المتخيلة, والمستعادة من أزمنة بعض المذاهب والمدارس الفقهية الوضعية؟ ألا تشكل هذه السياسة الدينية المحافظة محاولة لتنميط الزمن الديني والوعي به, لدي بعض المصريين لكي يسهل السيطرة الدينية السياسية والاجتماعية علي حاضرهم ومستقبلهم؟ ألا تمثل محاولة لفرض تصور أحادي وتاويلي للأزمنة الدينية وتحولاتها, وفق رؤية محافظة ومتشددة؟ الا تعكس هذه الاستراتيجية في التفسير والتأويل الديني حول الهوية محاولة لقطع الأزمنة الدينية الفقهية عن زمنها وسياقاتها وأمكنتها وأسئلتها وبشرها لتغدو وكأنها خارج التاريخ وفوقه؟ لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح