وصلت أصداء ثورة30 يونيو الي كافة أنحاء العالم لأنها كانت ثورة فريدة من نوعها. فلأول مرة بادر الشعب في شكل موجات بشرية غير مسبوقة لانهاء نظام أضر الأمن القومي واستجابت قواته المسلحة. من ضمن المناطق التي وصلت اليها تلك الأصداء منطقة جنوب شرق آسيا, حيث يتمركز معظم مسلمي آسيا, وتنشط الحركات الاسلامية بكافة توجهاتها. ومن ثم, كانت تلك المنطقة أرضا خصبة للجدل حول ثورة30 يونيو, وبالذات مع دهشة مسلمي تلك المنطقة للفشل الذي حققه الاخوان, كما أن آلة الدعاية الاخوانية لعبت دورها لكي تشوه ثورة المصريين. ومن ثم كان من الضروري أن ننتبه الي تلك المنطقة.فالعالم ليس أوروبا وأمريكا فقط. وبحكم تخصصي في تلك المنطقة شددت الرحال الي جنوب شرقي آسيا, وبالذات الي ماليزيا واندونيسيا, مدعوما من وزير الخارجية النابه نبيل فهمي, الذي استجاب بسرعة لاقتراحي بالعمل الاعلامي في آسيا, قارة القرن الحادي والعشرين. في البلدين لعب الرصيد التاريخي لمصر والأزهر دورا كبيرا في دفع أبناء البلدين لمساعدتي في اجراء حوارات مع المجتمع المدني, والحركات الاسلامية, والمؤسسات الجامعية, والبرلمانات, والأحزاب السياسية. وكم كان جميلا أن يقوم مصطفي اسحاق, رئيس جامعة شمالي ماليزيا, بترتيب عشرات الحوارات الصحفية والتليفزيونية بمجرد وصولي, لماذا؟ لأنه من أجل أمة الاسلام التي تعد مصر في قلبها, كما قال. أو أن يقوم سيف الهادي, رئيس وكالة الأنباء الاندونيسية, أنتارا, بترتيب لقاء حاشد مع صحفييي جاكارتا لمدة ثلاث ساعات, لماذا؟ لأنه درس في مصر ويحب الأزهر, وكون مجموعة علي الفيسبوك من محبي مصر أسماها عيش بلدي, أو يقوم رئيس لجنة الشرق الأوسط في البرلمان الاندونيسي, محمد نجيب, مع سفير مصر النابه بهاء دسوقي, بترتيب لقاء موسع في لجنته لمدة ساعتين, لماذا؟ لأنه تعلم في الأزهر ويعشق مصر. أقول ذلك لكي نعرف أن عملنا الثقافي والديني له مردود ايجابي أكيد لايمكن قياسه بالمال. لاحظت في البلدين نقصا شديدا في المعلومات عن ثورة30 يونيو وعن أداء الاخوان. وكانت الأسئلة في البلدين تدور حول كيف يمكن عزل رئيس منتخب ديمقراطيا, ألم يكن من الأجدر تركه حتي يكمل مدته, أو تدخل المعارضة الانتخابات البرلمانية, وماتفسير العدد الهائل من القتلي في فض اعتصامي رابعة والنهضة. أسئلة مشروعة من واجبنا أن نجيب عليها. كان لدي ملف كامل عن المقالات المنشورة في الولاياتالمتحدة التي تؤكد أن تلك الدولة لعبت دورا كبيرا في تزوير انتخاب مرسي كجزء من الصفقة بين الاخوان والأمريكان. ومن ثم فالرئيس لم تكن له شرعية في نظر معظم المصريين خاصة في ضوء احتشاد أنصاره في ميدان التحرير وتهديدهم بحرق مصر اذا لم يفز رجلهم. وعلي أي حال, لم يكن يعلم مثقفو الدولتين أن المعارضة والجيش عرضا علي مرسي أن يعقد انتخابات رئاسية مبكرة لاختبار شعبيته ولكنه رفض, أي أنه أعطي بديلا ديمقراطيا, ولم يكن عزله الا الملاذ الأخير. أما مسألة بقاء الرجل حتي نهاية مدته فقد ذكرت الاندونيسيون أننا قد اقتدينا بهم عندما عزلوا الرئيس عبد الرحمن واحد بعد سنة واحدة من انتخابه لسوء أدائه الشديد. قلت لهم لقد تعلمنا منكم ألا نترك الفاشل حتي تغرق سفينة مصر بأكملها خاصة في ضوء أدائه المتدني علي كل الجبهات وبالذات تحويل سيناء الي ملاذ للإرهابيين. لم يكن لدينا برلمان لعزل الرجل كما هو الحال في اندونيسيا لأنه كان مرتاحا لمجلس الشوري المكدس بأنصاره. ومن ثم, لم يكن هناك من يستطيع أن يجنب مصر حربا أهلية سوي جيش مصر. وفي جامعة بارامادينا وفي مركز حبيبي للدرسات الاستراتيجية( باسم الرئيس السابق حبيبي), أوضحت أن الصندوق الانتخابي ليس إلا جزءا من الممارسة الديمقراطية, وأن الوفاء بالتعهدات الانتخابية, والتوافق السياسي, والقيم الديمقراطية, والمحاسبة السياسية هي أجزاء أخري مهمة. في البرلمان الاندونيسي وفي وكالة الأنباء الماليزية وفي جامعة شريف هداية الله عرضت أفلاما تسجيلية عن فض الاعتصامين توضح أن بعض المعتصمين استعملوا السلاح ولم يستجيبوا لنداء الشرطة بالخروج السلمي. لعل الصدمة الأكبر التي تلقيتها, كانت هي الموقف الرسمي لنجيب رزاق, رئيس حكومة ماليزيا, وموقف مهاتير محمد من ثورة30 يونيو ومن فض اعتصامي رابعة والنهضة. فقد اتخذت تلك الحكومة موقفا عدائيا من ثورة30 يونيو بل طلبت عقد دورة لمنظمة التعاون الاسلامي لمناقشة الأزمة المصرية في مسعي منها لتدويل الموضوع, كما سارعت باستدعاء طلابها الذين يدرسون في مصر, كما ظهر علنا مهاتير محمد لكي يجهش بالبكاء علي ضحايا رابعة والنهضة. ذكرت الماليزيين في الحوارات التليفزيونية أن هذا الموقف من شأنه تشجيع عنف الاخوان في مصر, في وقت عانت فيه ماليزيا قبلا من عنف بعض حركاتها الاسلامية, وأن مصر كان يمكنها أن تطلب تدويل قضايا ماليزية عديدة ولكنها لم تفعل لأننا نري أن حل تلك القضايا انما يكون بالنصح والحوار لا بالتدويل, فهذا مطلب الاخوان. قلت لهم لقد أنشأت جامعة القاهرة مركز الدراسات الماليزية الوحيد في العالم الاسلامي واستضافت آلاف الطلاب الماليزيين. فلا يمكن أن يكون الرد بهذا الشكل التحريضي.علمت من الصحفيين الماليزيين أن نجيب رزاق انما يوظف الأزمة لرفع شعبيته المتدهورة من خلال مغازلة الحزب الاسلامي الماليزي. وكانت المفاجأة أن أعلم أن مهاتير قد عقد صفقة مالية مع الإخوان حين زار مصر ثلاث مرات خلال سنة2013 وأنه كان مقدرا أن يحضر الي مصر في أكتوبر لإنهاء الصفقة, جاءت ثورة30 يونيو لتنهي آماله, كما أنه أيضا يريد دعم حليفه نجيب رزاق, وهو ما يتطلب منا حوارات مكثفة مع الرجل. أما حكومة اندونيسيا فقد اتخذت موقفا مشرفا من الثورة. فقد اعتبرتها شأنا مصريا, ولم تسحب طالبا واحدا من مصر, بل اتصل رئيسها سوسيلو بامبانج بنجيب رزاق ليطلب منه وقف تلك الحملة علي مصر. وأكد لي السفير مساعد وزير الخارجية الاندونيسي لشئون آسيا وافريقيا في مقر وزارته دعم اندونيسيا لمصر, واقترح أن تعقد المؤسسات العلمية في الدولتين حلقات نقاشية حول خبرات الدولتين في المراحل الانتقالية. وكم كان جميلا أن يحضر السفير الاندونيسي السابق في مصر بور ماونا, وقد عملنا سويا لعقد ندوات عن العلاقات بين الدولتين, أن يحضر لكي يؤكد أن شعب بلاده لاينسي الدور الرائد الذي قامت به مصر لدعم كفاح أحمد سوكارنو سنة1947 حين أرسلت له مبعوثا خاصا لكي ينقل اليه تلك الرسالة,, وأن مصر كانت أول دولة تعترف باستقلال اندونيسيا. وكم كان جميلا أن أسمع من رئيس وكالة الأنباء الاندونيسية أن مراسله في القاهرة رفض العودة الي جاكارتا رغم أنه كان قد ألقي القبض عليه لتصويره معدات حربية وأفرج عنه فورا. وقال لهم المراسل إن القاهرة آمنة كجاكرتا. لعل أهم ماخرجت به من هذه الجولة هو أنه من المهم أن نعين مبعوثا رئاسيا رفيع المستوي لزيارة الدول الأسيوية وشرح موقف ثورة30 يونيو. كذلك, فان تلك الجولات يجب أن تتواصل في بلاد آسيوية اخري في اطار الجهد الطيب الذي تقوم به وزارة الخارجية المصرية بعد أن استعادت دورها, لأن المعركة ضد مصر شرسة. أما بالنسبة الي اندونيسيا فانني أقترح أن يتفضل الدكتور جابر نصار, رئيس جامعة القاهرة, باتخاذ مبادرة لانشاء مركز للدراسات الاندونيسية, يتوفر علي دراسة مجتمع يكن للمصريين كل التقدير, واندونيسيا مستعدة للمشاركة في تأسيسه, والدعوة الي عقد ورشة عمل في القاهرة وجاكارتا حول خبرات مراحل الانتقال. لمزيد من مقالات محمد السيد سليم