التعصب ظاهرة حقيقية مردها التمسك إلي حد اليقين بوجهة نظر واحدة, بل لاتجاه طائفة أو جماعة معينة, والقبول والاقتناع بأفكارها ومبادئها دون إعمال للعقل أو الفحص أو التمحيص. وهذه النظرة الفكرية الضيقة تلحق بالعقل البشري تشوهات خطيرة, ليس أقلها ذلك الانغلاق الفكري الذي يوهم الفرد( أو الجماعة) بأنه هو وحده الذي يمتلك الحقيقة كاملة!! ويأتي كل من لا يسيرون في طريقه علي باطل. وهذا الاحساس باليقين المطلق شديد الخطورة علي التكوين العقلي الطبيعي للانسان, خاصة إذا تملكه وهو لا يزال في شبابه المبكر, والشاهد أن هذا الاحساس لا يقتصر دوره أو تأثيره علي المسائل الدينية وحدها بل إنه امتد أيضا إلي مختلف جوانب حياة الانسان, وقد شاهدنا مؤخرا ظاهرة الألتراس التي اتصف معظم المنتسبين اليها بالتعصب والعنف, والذي بات يهدد حياتنا الاجتماعية وثوابت التشجيع الرياضي البريء. وهكذا وجدنا الشباب الذي خضع ويخضع لمثل هذه المؤثرات ميالا إلي الجزم والتأكيد القاطع في كل شيء.. لا يؤمن بتعدد الآراء, ولا بتعدد طرق الوصول إلي الحقيقة, وأنه مهما أوتينا من علم فستظل الحقيقة نسبية ولن ترتقي إلي درجة اليقين أبدا, بل يريد في كل الأمور رأيا واحدا وإجابة نهائية يرتاح إليها ويتوقف عندها ويكف عن التساؤل الذي هو باب ومفتاح المعرفة.. وحين تصبح هذه عادة عقلية مستحكمة فإنها تطمس الروح النقدية وتهدم القدرة علي التفكير( وهو فريضة إسلامية) والابتكار, وتجعل من التجديد آفة ينبغي تجنبها وإن الإبداع بدعة لابد من محاربتها, وهذا هو بالضبط ما حدث لجماعة الإخوان التي تربي شبابها علي هذا النوع من التفكير المتعصب المنغلق, فكان لابد أن ينتهي أمر الجماعة في اللحظة المواتية إلي الانهيار والسقوط المدوي لأنها اصبحت تغرد وحدها خارج السرب, وتفكر بعيدا عن مقتضي الحال ومتغيراته, وغرق شبابها المغرر به في حظيرة السمع والطاعة والامتثال والتمسك الصارم والمتجهم بحقيقتنا الواحدة وبيقيننا المطلق, وإنهم علي الحق وغيرهم علي باطل وضلال بل وكفر.. فجاءت الضربة القاضية من حيث لا يشعرون!. إبراهيم عبد الموجود الدقي جيزة