أثار اقتراح لجنة العشرة المكلفة بالتعديلات الدستورية والذي أوصي بحذف المادة219 الخاصة بتفسير مبادئ الشريعة الإسلامية, واختصاص المحكمة الدستورية العليا بتفسير المادة الثانية من الدستور وإلغاء مرجعية الأزهر في تفسير تلك المادة وفقا لما جاء في الدستور السابق, جدلا واسعا في المجتمع, وسادت المخاوف من المساس بهوية مصر الإسلامية. وحذر علماء الفقه والشريعة من المساس بالمواد التي تحفظ الهوية الإسلامية لمصر, مؤكدين أن إلغاء المادة 219 يفتح بابا للتشدد والتعصب من جانب أبناء التيار الإسلامي, والذين يرون أن هذه المادة تحفظ هوية مصر الإسلامية وتحدد معني واضحا لمبادئ الشريعة يتمثل في أدلتها الكلية وأصولها الفقهية في مذهب أهل السنة والجماعة. وطالب العلماء بضرورة الالتزام بوثيقة الأزهر والتي أبقت علي المادة الثانية في الدستور, ووضعت مادة تفسر مبادئ الشريعة وتحددها وهي المادة 219, مؤكدين أن المحكمة الدستورية العليا ليست جهة اختصاص في تفسير واستنباط الأحكام الفقهية ومبادئ الشريعة الإسلامية. مرجعية الأزهر ويري الدكتور عطية فياض, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, أن مرجعية الأزهر لكل ما يتعلق بالشريعة الإسلامية يعد من المطالب العامة التي يتفق عليها الجميع, ومن الأفضل أن يكون الأزهر هو المرجعية بدلا من أن تترك المرجعية للأفراد والمنظمات أو غير ذلك, ولابد أن نرد الأمر إلي أهله, مشيرا إلي أن الأزهر بتاريخه قادرعلي أن يقوم بهذه المرجعية علي الوجه الأكمل, وأن الجميع يتفق علي وسطية الأزهر وحاجة الأمة إلي أن يكون الأزهر هو المرجعية الدينية في كل ما يتعلق بالشريعة الإسلامية, خصوصا في هذه المرحلة الحاسمة التي تمر بها البلاد, خاصة أن الأزهر سبق ان صاغ المادة 219 من الدستور المعطل, وقد وافقت جميع القوي والتيارات السياسية علي صياغة الأزهر, والجميع أقر بهذه المادة. وأوضح أن المادة 219 مادة تضبط وتحدد تفسير مبادئ الشريعة, وذلك حتي لا تترك مبادئ الشريعة لتفسيرات غير منضبطة, كما أن هذه المادة تحدد مصادر الشريعة بكونها الأدلة الكلية والقواعد الأصولية في مذهب أهل السنة والجماعة, وهذا التفسير يؤدي للاستفادة من كل الاتجاهات الفقهية عند المتقدمين والمعاصرين, ولابد أن نحدد ما المقصود بمبادئ الشريعة في الدستور, هل المقصود أن تكون عبارة بلا معني في الدستور؟, أم المقصود أن يكون هذا النص له معني وواقع في حياة المجتمع؟ فإذا كنا نريد أن يكون لهذا النص معني, فلابد من ضوابط وتحديد لهذا المعني, وهذا التحديد يتمثل في المادة 219, ويجب أن يكون الأزهر هو المرجعية الوحيدة التي تفسره. وطالب أعضاء لجنة الخمسين بالنظر بعين الاعتبار إلي هذه الأمور, وإعادة الأمر إلي ما كان عليه, مشددا علي أن التخوفات التي يبديها البعض من تفسير المادة 219 لمبادئ الشريعة, هي مخاوف وهمية وليس لها أي أساس في الواقع, ولابد أن تقدم لجنة العشرة مذكرة توضيحة تكشف فيها عن الأسباب التي جعلتها توصي بحذف هذه المادة, حتي توضح رأيها بدلا من حالة الشك التي أحدثها هذا الأمر. عودة لنقطة الصفر وأكد علماء الشريعة أن حذف المادة 219 من دستور 2012 يعد عودة لنقطة الصفر, ويجعل المادة الثانية من الدستور مادة شكلية فقط, وقال الدكتور محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة, أن بقاء المادة 219 من الأمور الضرورية, لأن المادة الثانية من الدستور مادة عامة لا تحدد آليه لتطبيق أحكام الشريعة, وتنص علي أن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع, وكلمة مبادئ تشمل المقاصد والكليات ولا تتحدث عن مصادر الأحكام الشريعة المتعلقة بالنصوص والقواعد, فإما أن تتضمن المادة الثانية هذا المحتوي, وإما أن تبقي المادة 219 كما هي, لأنها هي التي تحدد آلية التطبيق وطريقة استنباط الأحكام الشريعة من النصوص, كما أن إلغاء هذه المادة يعد عودة لنقطة الصفر, وهذا النص الخاص بالمادة الثانية موجود في دستور 1971 وفي الدساتير السابقة, وكان يمثل شكلا جماليا فقط, كما أن بقاء نصوص مواد الشريعة والهوية علي ما هي عليه ليس فيها إضرار بأحد, حتي بغير المسلمين وتمنحهم الحق الكامل فيما يتعلق بأمور عقيدتهم ومسائل الأحوال الشخصية, وهناك نص منفرد لغير المسلمين في الدستور. الدستورية ليست جهة اختصاص ويشير إلي أن المحكمة الدستورية العليا غير مختصة بفهم أحكام الشريعة, ويتساءل الدكتور نجيب عوضين: هل من المقبول أن نترك أساتذة الأزهر المتخصصين ونلجأ لرجال القانون أصحاب المعلومات العامة في الشريعة الإسلامية؟ فالمرجعية التي يرجع إليها هي مرجعية أمينة وهي مؤسسة الأزهر الوسطية والحيادية والأمينة علي النص. قواسم مشتركة بين الأديان ويري الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر, أن صياغة المادة 219 من دستور 2012 لا تفيد المطلوب من نص المادة الثانية من نفس الدستور, لأن مبادئ الشريعة ليست هي أحكامها, وهي في نفس الوقت لا تشمل الأدلة وما عطف عليها في نص المادة 219, كما أن الأدلة الكلية للشريعة التي ورد النص عليها في المادة هي نفس المصادر المعتبرة في مذاهب أهل السنة التي ورد النص عليها في نفس المادة, وكأنهما متغايران, وهذا غير حقيقي, وأما أنها لا تفيد المطلوب من نص المادة الثانية, فلأن مبادئ الشريعة وإن فسرت بأنها أحكامها لا تشمل الأدلة والقواعد والمصادر, لأن هذه الأخيرة ليست أحكاما, بل إنها المصادر التي تستنبط منها الأحكام, وهناك فرق بين هذا وذاك, وحذف نص المادة 219 في المقترح الأخير لتعديل دستور 2012, إنما يرد كحلقة في سلسلة وضع دستور مهلهل غير صالح للتطبيق, ولا يرضي عامة أفراد المجتمع. طمأنة للإسلاميين وشدد عدد من العلماء والمفكرين علي أن بقاء المادة219 يعطي رسالة طمأنة للإسلاميين ولعامة الناس ويقطع الطريق علي كل من يردد أن هناك مساسا بالهوية الإسلامية وأن مصر بلد علماني, وقال المفكر الإسلامي الدكتور ناجح إبراهيم إن بقاء المادة219 يرضي الإسلاميين ويبدد مخاوفهم, ويمنع الكثير من الشائعات التي قد يستغلها البعض بأن هناك مساسا بالهوية الإسلامية, وبالتالي فإن بقاء المادة219 يعطي رسالة طمأنة للإسلاميين وعامة الناس.