هناك جدول أعمال تاريخي واجب بعد الموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية العظيمة التي شنها الشعب المصري علي حكم الفساد والاستبداد, في يناير2011 واستكملها في يونية/يوليو2013 علي مرحلة اليمين المتأسلم, باستدعاء القوات المسلحة لشعب مصر لتكون سنده وظهيره. فلم يكن حكم اليمين المتأسلم إلا مرحلة من هذا الحكم التسلطي الفاسد جري التستر عليها بغلالة رقيقة من الإسلام الشكلي لخداع بسطاء المصريين وإغوائهم دينيا, بينما بقيت آليات التخلف والقهر والفساد تنخر في قيمة مصر ورفاه شعبها وتزري بمكانة مصر إقليميا ودوليا, الأمر الذي استتبع استمرار استراتيجية الاقتراض والاستجداء من الخارج, وانحطت مكانة مصر في العالم حتي صار رئيس مصر لا يستقبل إلا بواسطة صغار المسئولين في الرحلات الفاشلة التي كانوا يحرصون عليها لأغراض لا تمت بصلة لصالح الشعب والوطن. عندي أن المهمة الأساس للمرحلة الانتقالية الثانية هي نقض السياسة الداخلية والخارجية, لحكم اليمين المتأسلم التي لم تختلف في الجوهر عن سياسات حكم الاستبداد والفساد الذي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه ولم تنجح بعد.لقد تكفلت خطة الطريق التي أعلنتها القوات المسلحة لشعب مصر في3 يوليو بتصحيح مسار التحول الديمقراطي بعد ان كانت تيارات اليمين المتأسلم قد انحرفت به تجاه عمل أحزاب دينية علي إقامة دولة دينية وإخضاع المجتمع لإسلام التعسير والتشدد. لذلك يعنيني في المقام الأول هنا السياسات العربية لحكم اليمين المتأسلم التي خضعت جليا لمصلحة التنظيم الدولي للإخوان وتعليماته, ولم يكن بين أولوياتها عزة مصر ورفاه شعبها أو استقلال الوطن العربي. في الأساس, يعود اهتمامي بسياسة مصر علي الصعيد العربي إلي يقيني الجازم بأن الفرصة الوحيدة للنهضة الإنسانية في المنطقة العربية تمر عبر التكامل العربي الفعال. باختصار, لا مصر وحدها بكل إمكاناتها البشرية. يمكن أن تنهض منفردة. ولا السعودية بكل إمكاناتها المالية, والتي يقينا لن تدوم إلي الأبد, بقادرة علي هذا الإنجاز التاريخي وحدها. وما بين الطرفين لا يجب الحديث عن أي إمكان للنهوض منفردا. ولكن بالإضافة, كان لسوريا وفلسطين دائما موقع متميز في خريطة العلاقات المصرية العربية لأسباب تتصل بسلامة الأمن القومي لمصر من ناحية ولكون القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية وإسرائيل مصدر التهديد الأخطر للأمن القومي العربي عامة, والمصري خاصة. وأذكت العلاقة الخاصة بين شعبي مصر وفلسطين الحروب المتكررة التي خاضتها مصر ضد إسرائيل ولم تترك بيتا في مصر إلا وبه شهيد في الصراع مع إسرائيل. إنه عبر التاريخ تطلبت انجازات ضمان الأمن القومي العربي والمصري خاصة, درجة من الوحدة أو علي الأقل التنسيق بين مصر وسوريا, البوابة الشرقية الأولي للأمن القومي المصري. أدرك ذلك محمد علي وضم سوريا إلي مصر الكبري. وحتي نابليون تفهم أنه لن يستقر له حكم مصر إلا بضم سوريا ولكنه فشل في فتح عكا وعاد من الشام منكسرا مدحورا. ويتعين ألا ننسي أن شعبي سوريا ومصر قد توحدا في كيان دولي واحد بعض الوقت منذ سنوات قلائل. وقد ترتب علي هذه العلاقات المتميزة مكانة خاصة لشعبي فلسطين وسوريا في الوجدان المصري. لكل هذا يتعين أن يبقي الموقع المتميز لشعبي سوريا وفلسطين في السياسة العربية المصححة لمصر الثورة. غير أن حكم اليمين المتأسلم قد أفسد العلاقات العربية لمصر بأشد ما يكون في حالتي سوريا و فلسطين. كان يتشدق بمقولات طيبة ولكن كان يفعل خبيثا, في منظور التنظيم الدولي للإخوان وفي ظل علاقاته المشبوهة أبدا بقوي الهيمنة في العالم والمنطقة العربية. بالنسبة لفلسطين اختزلت القضية الفلسطينية في التعاون مع حركة حماس, باعتبارها مكونا للتنظيم الدولي للإخوان, ولكن تحت سقف صداقة إسرائيل وخدمة مصالح الإدارة الأمريكية, وهل نحن بحاجة لتذكر خطاب المعزول لرئيس إسرائيل هنا؟ وقد بلغ تخريب اليمين المتأسلم لعلاقات مصر العربية ذروته في التعامل مع سوريا. فبينما ركزت الإعلانات العلنية لتلك السلطة علي دعم الشعب السوري وتشكيل لجان للمصالحة في سوريا, تهور الرئيس المعزول, مفتونا بحماس جموع أنصاره الدهماء من اليمين المتأسلم, وبدون الرجوع للمسئولين عن علاقات مصر الخارجية, بقطع العلاقات بين مصر وسوريا وسمح للدهماء من انصاره في وجوده بالتبجح بإرسال السلاح والمتطوعين لما يسمونه الجهاد لزيادة اشتعال الحرب الأهلية في سوريا. وهكذا ورط رئيس اليمين المتأسلم مصر في فصم العلاقة الحميمة الأزلية بين الإقليمين الجنوبي والشمالي للجمهورية العربية المتحدة وفي إشعال الاحتراب الأهلي في سوريا الشقيقة. وفي هذا جرم سياسي وتارخي لا يغتفر. ويكفي ذكر أن هذا الموقف المعادي للشعب السوري كان من دواعي موقف القوات المسلحة لشعب مصر من سلطة اليمين المتأسلم قبيل الموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية العظيمة باعتباره, وفق تصريحات عسكريين كبار, تهديدا لأمن مصر القومي. وقد تسببت حوادث فردية مثل ضبط سوري يطلق الرصاص علي المتظاهرين في مصر واعترافه بتلقي أموال من جماعة الإخوان الضالين, تسببت في تسميم الوجدان الشعبي المصري تجاه السوريين. وهذا خطأ فادح, فالجرم يقع علي الفرد وليس كامل الشعب الذي ينتمي إليه وبدرجة أقوي علي من استغلوا ضيق المسكين وضائقته في توجيهه إلي هذه الوجهة الإجرامية, بدلا من ان يساعدوه ويحسنوا إليه لو كانوا حقا مسلمين. كذلك ترددت أنباء عن ضلوع حركة حماس أو تشكيلات جهادية تحت عباءتها في تدخلات غير مقبولة في الشأن الداخلي المصري لنصرة اليمين المتأسلم قبل وصوله إلي السلطة وخلال حكمه المستبد الظالم. وما زال بعض هذه الأمور مطروحا علي القضاء ويتعين انتظار الفصل فيها عبر أحكامه. ومرة أخري, إن صحت هذه الاتهامات فالذنب علي من أجرم افرادا مارقين وعلي من تهاون في حفظ الأمن القومي المصري ويسر لمنظمة غير مصرية الانغماس في أعمال تتهدد أمن مصر وشعبها وتتدخل في شئون مصر الداخلية. كذلك يتعين دائما تذكر أن حماس ليست المقاومة الفلسطينية وليست حماس هي فلسطين الحبيبة. خلاصة القول إن مصر الثورة يتعين عليها أن تصحح العلاقة مع جميع الشعوب العربية, وعلي وجه الخصوص مع شعبي فلسطين وسوريا, الأمر الذي يتطلب دعم المقاومة الفلسطينية بوجه عام, ودعم إرادة الشعب السوري في تقرير مصيره بحرية. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى