في 30 يناير 1933 استولي هتلر علي السلطة بفضل صندوق الاقتراع. وفي أول مايو من ذلك العام أعلن فيلسوف ألمانيا مارتن هيدجر انضمامه إلي الحزب النازي. وفي 27 مايو من ذلك العام أيضا قرر هتلر تعيين هيدجر مديرا لجامعة فرايبورج. والسؤال اذن: ما مغزي هذا التعيين؟ جواب هيدجر ورد في الخطاب الذي ألقاه في الساعة الحادية عشرة صباحا في يوم تعيينه في قاعة كانت ترفرف فوقها أعلام الحزب النازي وشعاراته, وكانت ممتلئة بحكام الأقاليم وممثلي الكنائس والجيش مع جمهرة من الطلاب. وفي ذلك الخطاب أعلن هيدجر تأييده للتحول السياسي الذي تبناه هتلر مع الحزب النازي. ومغزي هذا الاعلان أن ثمة علاقة عضوية بين النظرية السياسية لهتلر وفلسفة هيدجر. كما أعلن أن هتلر هو وحده الذي ينبغي أن يكون معبرا عن وجود الطلاب. والسؤال إذن: ما هي النظرية السياسية لهتلر؟ جواب هذا السؤال وارد في كتابه المعنون مبادئ الفعل وفيه عرض لنظريته عن الاشتراكية الوطنية الذي دفعه إلي تبني هذه النظرية مردود إلي نشوء أزمة اقتصادية جوهرها يدور حول حدوث تصدع في العلاقة بين الرأسماليين والعمال. وحدوث التصدع مردود إلي غياب الطابع الأبوي. ومن شأن هذا الغياب أن يفضي إلي توهم أن ثمة تناقضا بين مصالح الرأسماليين ومصالح العمال. وينشأ عن هذا التوهم توهم آخر وهو ضرورة الغاء الملكية الخاصة بدعوي أن هذه الملكية هي الجرثومة المفرزة لهذا التناقض. وقد ارتأي هتلر أن الشيوعية هي التي تبنت الترويج لهذا الوهم وجسدته في النقابات العمالية التي هي السلاح المستخدم في اشعال الصراع الطبقي. وبناء عليه قرر هتلر تدمير المعسكر الشيوعي الحاضن لمفهوم الصراع الطبقي. والسؤال: كيف؟ وجوابه: بتدمير الليبرالية لأنها المولدة للاشتراكيةالديمقراطية, وهذه بدورها هي المولدة للشيوعية. وتدمير الليبرالية يتم بتأسيس رأسمالية الدولة التي تعني أن الدولة فوق الطبقات الاجتماعية, ومن ثم فهي محايدة. ومن شأن هذا الحياد تحقيق التوازن بين الطبقات الاجتماعية المتناقضة فيختفي الصراع وتكون النتيجة: لا غالب ولا مغلوب. ومن أجل تحقيق هذه الغاية كان علي هتلر الارتقاء بالشعب الألماني إلي مستوي المطلق حتي يتمكن من اشعال الحرب ضد الشيوعية لأن الحرب لا تشتعل إلا بالمطلق. ومن ثم أعلن هتلر أن الشعب الألماني هو الممثل للجنس الآري, والجنس الآري, في رأيه, هو أرقي الأجناس, أو بالأدق, الجنس المطلق, ولهذا فمن حقه أن يكون سيد العالم. ومن هنا بدأ هتلر في شحن هذا المطلق بشحنات انفعالية لا عقلانية فقال موجها كلامه إلي أعضاء الحزب: ثقوا في غرائزكم ولا تثقوا في عقولكم. وجاءت فلسفة هيدجر معبرة عن اللاعقل. كيف؟ نقطة البداية, عنده, أننا قد ألقي بنا في هذا العالم من غير قصد, ثم اعتدنا علي هذا الذي حدث لنا فوجدنا أنفسنا أمام الموت. ومن هنا استنتج هيدجر أن الانسان موجود لكي يموت, وبالتالي فهو مسلوب الارادة. ولا يبقي بعد ذلك للإنسان سوي الاذعان, أو بالأدق, سوي السمع والطاعة. واللافت للانتباه هاهنا أن ثمة تعاطفا نشأ بين حزب مصر الفتاة وحركة الاخوان المسلمين من جهة والنازية من جهة أخري, وبين روميل قائد القوات الألمانية ومجموعة من الضباط المصريين في الحرب العالمية الثانية. وقد كشف عن هذا التعاطف قائد السرب الطيار حسن عزت في كتابه المعنون أسرار معركة الحرية (1953). واللافت للانتباه أيضا أن ثمة تعاطفا نشأ بين عبد الرحمن بدوي من جهة وهيدجر والنازية من جهة أخري. فقد كان يري أن خلاص مصر مرهون بالحزب النازي الذي كان منحازا إلي هتلر. كما تأثر بدوي بنظريات هيدجر الفلسفية في كتابه المعنون الزمان الوجودي (1945). وبناء عليه يمكن القول بأن ما ورد في هذا المقال دليل علي صحة كتاب فرويد المعنون الحضارة وبؤسها. المزيد من مقالات مراد وهبة