استوقفتني هذه العبارة القرآنية من آيات في سورة الزمر أولئك هم المتقون لهم مايشاءون عبد ربهم ذلك جزاء المحسنين( الزمر33 34).. تلحظون دقة هذه العبارة ورقتها في آن واحد..فيها ود و حنان, وإعزاز وإكرام. هؤلاء المنعمون هم ضيوف عند ربهم ضيافة أبدية..يطلبون لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد( ق35).. قس هذا علي متاع الدنيا الموقوت والمحدود, والذي لا ينال المرء فيه ما يرغبه إلا بشق الأنفس إن ناله هذا المتاع لا يكتمل أبدا..بل هو محفوف بالنواقص والهواجس, والمحظورات والمحذورات..ثم لا يلبث أن يزول أو ينقطع, علي قلته ومحدوديته.. في الدينا لا ينال أي إنسان مهما علا قدره وتضخمت إمكانياته, لا ينال كل ما يتمناه أو يشتهيه.. وعلي حد قول الشاعر ما كل ما يتمني المرء يدركه هذا في الدنيا.. أما في الجنة فكل ما يرغب فيه المرء ولا أقول ما يتمناه لأن الأمنية شئ لم يتحقق بعد, وقد لا يتحقق..هذا مرهون بحواجز وموانع كثيرة.. منها صحة الإنسان وقدرته علي الاستمتاع بما أتيح له من طعام وشراب, فقد يكون متاحا من الناحية المادية الصرفة أن يأكل ويشرب ما يروق له, ولكن الأطباء يمنعونه أو يحذرونه من مغبة ذلك..كذلك القدرة المالية..فقد تكون محدودة ولا تتيح له الوفاء بما يرغب فيه, ومنها الظروف الاجتماعية والأسرية, والقيود التي تفرضها علي الإنسان.. ومنها عامل السن, والكهولة والشيخوخة, وأحيانا ما تكون الشيخوخة مبكرة, أي قبل أوانها المفترض, وذلك لأسباب نفسية أو عصبية أو وراثية.. مما يجعل المتعة في الدنيا محدودة وغير متكملة.. أين هذا من النعيم اللا محدود في جنات النعيم, وأن الحياة في هذا الرغد من العيش ممتدة إلي الأبد, وأن النعيم في الجنة ليس له سقف يقف عنده ولا يتجاوزه.. لا بل هو مفتوح لأي رغبة تخطر علي البال, ولا خوف من الموت, لأنه لم يعد هناك موت, بل خلود وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون( الأنبياء102) وهم لا يعانون تدهورا في الصحة ولاكهولة, ولاشيخوخة بل شباب دائم متجدد, ولايحول ولا يزول.. وفوق ما نتخيله من أسباب التنعم والتلذذ في الجنة فإن هناك مفاجأة, ألمح إليها رب العزة, وجعلها مفاجأة لأهل الجنة فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون( السجدة17).. ومع كل هذا لم يمنعنا الله من الاستمتاع في الدنيا بالطيبات التي أحلها لنا قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة( الأعراف32).. فلنأخذ من الدنيا بنصيب, وليكن اهتمامنا الأكبر بالآخرة التي فيها النعيم خالصا للمؤمنين وحدهم..جلعنا الله من عبادة المتقين الذين وعدهم رب العالمين هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب. جنات عدن مفتحة لهم الأبواب. متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب. وعنهم قاصرات الطرف أتراب. هذا ما توعدون ليوم الحساب. إن هذا لرزقنا ما له من نفاد( ص49 54)..