استقبال شهر رمضان الكريم والاحتفال به يختلف من مكان إلي مكان, ومن دولة إلي دولة, وها نحن الآن بصدد رصد طقوس الاحتفال به في دولة ماليزيا, والتي تأخذ طابعا خاصا ومميزا عن أي دولة إسلامية أخري. حيث يبدأ المواطنون في التجهيز والاستعداد لهذا الشهر الكريم منذ نهاية شهر شعبان, فيقومون بشراء حاجاتهم الغذائية من طعام وشراب, بالإضافة إلي الحلويات التي تشتهر بها ماليزيا استعدادا لرمضان وأكلاته الخاصة, كما يقوم العديد من الماليزيين بتزيين بيوتهم بالأسرجة والأنوار, وتقام بالشوارع والمجمعات السكنية الأسواق الشعبية المسماة ب(بسار رمضان) وتعني سوق رمضان, وتباع بها الأطعمة الماليزية, وتنظم فيها المهرجانات والأنشطة الرمضانية. وتفتح المساجد في ماليزيا أبوابها طوال هذا الشهر المبارك أناء الليل وأطراف النهار, ولا تغلق مطلقا, علي خلاف باقي أيام السنة. وعند صلاة المغرب يحضر أهل الفضل والسعة معهم بعض المأكولات والمشروبات, حيث توضع علي مفارش طويلة في الأروقة, وتكون الدعوة عامة ومفتوحة للجميع للمشاركة في تناول طعام الإفطار. وبعد الانتهاء من صلاة المغرب يذهب المصلون إلي تناول وجبة الإفطار الأساسية مع عائلاتهم وذويهم في بيوتهم, ثم يخرج الجميع لأداء صلاة العشاء والتراويح في المسجد. ويتعاهد أفراد الأسرة الماليزية علي قراءة القرآن كاملا في البيوت خلال شهر رمضان, ويصبح الشغل الشاغل للجميع قراءة القرآن وارتياد المساجد. ويلاحظ أن الصبية في تلك البلاد يحرصون علي ارتداء ملابسهم الوطنية, ويضعون علي رؤوسهم القبعات المستطيلة الشكل; في حين أن الفتيات يرتدين الملابس السابغة الطويلة الفضفاضة, ويضعن علي رؤوسهن الحجاب الشرعي. وتهتم الحكومة الماليزية وتولي عناية خاصة بشهر رمضان; وتتجلي هذه العناية وذلك الاهتمام بتشجيع المسلمين علي العمل والنشاط والإنتاج في رمضان, وترصد لأجل ذلك الحوافز والجوائز خلال هذا الشهر. ومن معتاد الأسر والعائلات الماليزية تبادل الهدايا والأطعمة والحلويات مع بعضها البعض في هذا الشهر الكريم, تدعيما لأواصر المحبة والوئام بينها, وتعظيما لمكانة هذا الشهر في نفوسها. وتمتلئ المساجد الماليزية في هذا الشهر بالمصلين في جميع الصلوات, ولا سيما في صلاتي العشاء والفجر, وعادة ما تقام الدروس الدينية والمواعظ هناك عقيب صلاة الفجر مباشرة, وتستمر تلك الدروس حتي تطلع الشمس, حيث يتوجه الجميع إلي عمله في حيوية ونشاط, إذ أكثر الناس هناك, وخاصة أصحاب الأعمال, لا يعرفون النوم بعد الفجر, بل يمارسون أعمالهم في وقت مبكر, وخاصة في هذا الشهر. وعند اقتراب موعد أذان المغرب يتجمع الرجال والصغار في المساجد القريبة من منازلهم, في حين تعكف النساء علي تحضير وتجهيز طعام الإفطار; ومع أذان المغرب, يفطر الرجال في المساجد علي مشروب محلي يعدونه مع بعض التمر, ثم يؤدون صلاة المغرب, ويعودون إلي بيوتهم لتناول طعام الإفطار مع عائلاتهم. والمساجد في العشر الأواخر من رمضان تلقي إقبالا محمودا, وحضورا مشهودا من العباد والمعتكفين; بحيث لا يكاد يخلو مسجد من المساجد هناك من قارئ للقرآن, أو قائم يصلي في المحراب, أو عاكف علي عبادة الله. ومع اقتراب شهر رمضان للرحيل, واقتراب حلول يوم العيد, يقوم بعض المتخرجين من المدارس والمعاهد الدينية بعمل لجان في المساجد لجمع زكاة الفطر, ومن ثم يقومون بتوزيعها علي الفقراء والمحتاجين; كما ويوزع بعض أهل الخير الملابس الجديدة, وحلويات العيد, والأموال علي الفقراء والمحتاجين. كل ذلك يجري في جو أخوي وإيماني, يدل علي مدي التكافل والتعاطف بين المسلمين في تلك البلاد, حيث يكون الجميع في غاية السعادة والفرح مع قدوم عيد الفطر.