يمتلئ شهر رمضان الكريم بالكثير من الأعمال الخيرة, ويتسارع الجميع في إخراج الزكاة والصدقات,وفي السنوات الأخيرة انتشر ما يسمي شنطة رمضان, وهي عبارة عن حقيبة بها بعض المواد التموينية من سكر وزيت وبقوليات ومكسرات,تقوم الجمعيات الخيرية أو الأفراد القادرون بتوزيعها علي الفقراء والمحتاجين, ويعتبرها علماء الدين نوعا من أنواع التكافل الاجتماعي في المجتمع. ويقول الدكتور نبيل السمالوطي, استاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر, إن شنطة رمضان تشعر الفقراء بأن الأغنياء أو القادرين مهتمون بأمرهم, فهي إلي جانب أنها تشبع احتياجا ماديا عند الفقراء, فهي أيضا تشبع احتياجا نفسيا ومعنويا وتنمي شعورا بالانتماء والولاء والآلفة والمحبة داخل القرية أو الحي أو المجتمع المحلي أو حتي بين الأقارب, بشرط أن تحتوي هذه الشنطة علي كميات كافية ونوعيات مطلوبة, بمعني أن تحتوي علي الأساسيات بالدرجة الأولي, الأرز, والمكرونة, والسمن والزيت, والسكر, وإذا كانت هناك سعة من الرزق فليكن هناك بعض ما يتسم به رمضان من مكسرات وغيره, ولكن هل هي بديل للموائد؟ بالطبع لا فشنطة رمضان لا تغني عن موائد الرحمن, فهي تذهب إلي الفقراء, ويجب علي كل مسجد أن يكون لديه حصر بالفقراء فشنطة رمضان للمستحقين فقط, أما مائدة الرحمن فيدخل فيها أيضا كل هؤلاء المستحقين ويدخل فيها أيضا بعض الأغنياء وهم عابرو السبيل, فكثيرا ما حدث لي أنا شخصيا أنني أسافر في زيارة في طريق مصر إسكندرية ثم يؤذن المغرب, فأجد كثيرا من موائد الرحمن وأجد أشخاصا يوقفون السيارات ويدعون لتناول طعام الإفطار, وسبحان الله نجد هذا الطعام أشهي بكثير ونأكله بحب وتقدير أكثر مما نأكل في بيوتنا, فموائد الرحمن يأكل منها المستحقون من فقراء ومساكين كما يأكل منها أيضا عابرو السبيل, فهي مظهر من مظاهر التكافل الجميل. ويرفض الدكتور نبيل السمالوطي أن يشكك أحد في هذه الموائد بدعوي أنها دعاية لأصحابها, فأنا أميل أن تكون النيات طيبة, وأن يكون الظن حسنا بالناس, فبغض النظر عن صاحب المائدة ونياته وأهدافه فإن المائدة نفسها موائد الرحمن تؤدي وظائف مادية واجتماعية واقتصادية وقبل هذا كله تؤدي وظائف دينية إيمانية, ويذكر عندما كان صغيرا في صعيد مصر, كان إلي جانب الموائد فإن القادرين والأغنياء يفتحون بيوتهم ويقيمون شوادر يذهب إليها الراغبون من المسلمين بعد صلاة التراويح يستمعون القرآن الكريم والأحاديث الدينية ويشربون المشروبات الساخنة والباردة, ويظلون هكذا حتي موعد السحور, فتنصب الموائد ويتسحر الجميع ويذهبون بعد ذلك إلي المسجد لصلاة الفجر, ولكن للأسف اختفت هذه الظاهرة الآن, وفي النهاية نسال الله ان يتقبل منا رمضاننا وصيامنا وقيامنا وأن يصلح لنا أمورنا في مصر ويجنبها الفتن الي يوم الدين. تعاون علي البر والتقوي يقول الدكتور الأحمدي أبو النور إنها نوع من التكافل والإسهام في إفطار الآخرين, فهذه الحقيبة التي يعدها الصائم ليستعين بها غيره في نفقات رمضان هي داخلة فيما رغب فيه النبي صلي الله عليه وسلم:( من فطر صائما كان له مثل أجره, غير أنه لا ينقص من اجر الصائم شيء) فمن فطر صائما أثابه الله أن يعطي المفطر ثواب الصيام وإن كان علي تمرة أو شربة ماء, المهم أن هذه الشنطة التي بها بعض المواد التموينية فهذا داخل في ما يثاب عليه المسلم وهو نوع من التكافل الاجتماعي يرجو بها ثواب الله في الآخرة, يقول تعالي: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون, ولا شك أن رمضان فرصة لإشعار المسلم بألم الجوع والعطش, فيكون دافعا أن يتصدق وأن يظل علي هذا السلوك طوال السنة, ويا حبذا لو جمع كل حي أو قرية أو شارع مبلغا من المال ويتعاونون جميعا كل بما يمكن أن يسهم به ويستفيد به أهل الحي أو القرية في تشغيل من ليس له حرفة, فيكون أشبه بمشروع الأسر المنتجة مثل آلة نسيج, أو ماكينة حياكة, المهم أن يكون هناك تعاون فيما يرفع شأن الحي أو البلدة, يقول الله تعالي: وتعاونوا علي البر والتقوي فهذا نوع من التعاون علي البر وتقوي الله في عدم إنفاق المال إلا فيما يكون استثمارا للمنفق, ورفع المستوي الاقتصادي علي كثير من الأفراد والأسر, فلو تجمعنا جميعا ونظرنا إلي ما يمكن أن نسهم به لرفع المستوي الاقتصادي, فسندخل البهجة في النفوس, ونحسن مستوي المعيشة وندخل نوعا من الأمن والأمان. رمضان.. فرصة ويضيف الدكتور الأحمدي أبو النور أنه يجب علي الكل أن ينتهز فرصة رمضان ونعمل كل الأعمال الطيبة ونساعد الناس, فكثير من المشروعات متوقف وكثير من الأجهزة الطبية معطلة في المستشفيات فلو تكاتف الناس وأصلحوها فلن يقصدها مريض ويعود بلا شفاء أبدا, رمضان فرصة حقيقية في الإقبال علي الله والبعد عن ماديات الحياة التي تجعل كلا منا أنانيا لا يفكر الا في نفسه, فالصيام فرصة لتنقية الروح وتجلية العقل, ومن الطاعات التي يتقرب بها الانسان في رمضان البذل والعطاء والتضحية والبحث فيما يسعد الآخرين, وأيضا استشعار احتياجات ومعاناة الآخرين, وأيضا حتي التشاؤم والاكتئاب من الظروف المحيطة بنا, أن يكون واحة إيمان وإيثارا للآخر, دون أن نضر أنفسنا, ويجب أن نعلم أن البركة الإلهية موجودة, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم:( طعام الاثنين يكفي الثلاثة وطعام الثلاثة يكفي الأربعة), فنحن نريد أن تكون ميزانية الأسرة تكفي اثنين او ثلاثة بالحب والتقرب الي الله, واذكر قصة امراة رقيقة الحال دخلت الي السيدة عائشة رضي الله عنها, وأعطتها ثلاث تمرات, فلما جاء النبي حكت له أم المؤمنين فقال الرسول إن هذه التمرة تدخلها الجنة,وقال صلي الله عليه وسلم:( اتقوا الله ولو بشق تمرة), فقد يكون هذا العمل البسيط الذي يمكن أن يقوم به المسلم إذا كان بنية صادقة وبحب ولوجه الله ممكن أن يدخله الجنة. محتويات الشنطة تحتاج إلي تعديل وعن جواز اعتبار شنطة رمضان كزكاة الفطر يقول الدكتور أحمد كريمة استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف لا يفضل أن تكون من الزكاة, يقول تعالي: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم, فالمال نقدا أفضل فربما يحتاج إلي ملبس وأعطي انا له طعاما, فالأولي دفع الزكوات المطلوبة نقدا للفقراء والمساكين فهم أدري باحتياجاتهم النقدية ولا تفرض عليهم أشياء بعينها كالأطعمة والملبس والأدوية فربما لا يحتاجون إليها, أما إفطار الصائم بما يسمي شنط رمضان فيكون هذا من صدقات التطوع, وللأسف محتويات هذه الشنط لا تناسب الجميع فالناس في الريف والواحات مثلا لا يحتاجون الي المكسرات مثلا وإنما الي السمن واللحم والدقيق, الأمر الآخر المؤسف أن بعض ضعاف النفوس من المحال التجارية التي تعبئ هذه الأكياس تأتي بمواد منتهية الصلاحية وهذا لا يليق فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا, كما أن الشنط تركز علي الأغذية الجافة وهذا لا يتفق مع تفطير الصائم, فالصائم يريد لحما أودجاجا, ولا يفيده الشاي,أو المكسرات.