يقولون في الأثر أن لكل إمرئ من اسمه نصيب, هذه المقولة تنطبق علي السيدة الجليلة التي لها النصيب الأكبر من إسمها, فهي نفيسة العلم والعلماء, ونفيسة الخلق والجمال, كما أنها الزوجة النفيسة والأم الحنون. هي السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهم جميعا. ولدت بمكة المكرمة سنة145 هجرية في نفس يوم ذكري مولد رسول الله صلي الله عليه وسلم(11 من ربيع الأول), ومكثت بها خمس سنوات, كان والدها من الأئمة العظماء في حينه, وكان له مدرسة فتتلمذ علي يديه معظم علماء عصره, وكان مرجعا لهم, فتعلمت في بداية حياتها علي يديه وحفظت القرآن والأحاديث وأجادت القراءة والكتابة وعمرها سبع سنوات( في زمن كانت الأمية منتشرة بين الرجال فما بالك بالنساء). إنتقلت بعد ذلك إلي المدينةالمنورة حيث كانت تتردد علي مجالس العلم في المسجد النبوي, تسمع من شيوخه وتتلقن الفقه والحديث علي يد علمائه, وكان من هؤلاء العلماء أنس ابن مالك فدرست علي يديه كتاب الموطأ وصارت بذلك مضرب الأمثال في العلم والأدب ولقبت بنفيسة العلم. تزوجت من ابن عمها إسحاق ابن الإمام جعفر الصادق- رضي الله عنهما- وأنجبت القاسم وأم كلثوم, وسمع المصريون بعلمها وفضلها ونقائها وهي بالمدينة حيث كان الحجاج ينقلون أخبارها إليهم, فلما اختارت مصر مقرا لها استقبلها شعبها بكل حفاوة وتكريم حتي استقرت بينهم وتحقق لهم ما كانوا يسمعون عنها فازدادوا تعلقا بها, وقابلت هي هذه المشاعر بأفضل منها. كان منزلها في المدينة ثم بعد ذلك في مصر ملتقي للعلماء في عصرها وفي مقدمتهم الإمام الشافعي رضي الله عنه الذي كان يزورها وكانت تستقبله وتفيض عليه من علمها وتناقشه في كثير من جوانب الفقه وأصول العبادة, ولم ينقطع عن زيارتها إلا يوم أن اختاره الله إلي جواره وكانت من المشيعين. وقصدها الإمام أحمد ابن حنبل, حيث إلتقي بها حين كانت تعود مريضا من طلاب مجلسها العلمي, وكان يحرص علي اللقاء بها كلما سمحت ظروفه في مصر أو أثناء الحج. ومع مسئولياتها الكثيرة التي تجددت في مصر كانت تحافظ علي تأدية شعائر الحج في كل عام حتي تجاوزت مرات حجها ثلاثين مرة, كما كانت تحافظ علي عباداتها بصورة منتظمة, فهي صوامة النهار وقوامةالليل. ويحكي عن شجاعة السيدة نفيسة أنهاشهدت في آخر حياتها ظلم أحد حكام مصر آنذاك وبلغها صور ظلمه حيث جاء أهل مصر يطلبون منها أن تتشفع لهم عنده حتي يرفع عنهم ظلمه, فسألتهم عن أوقات وأماكن خروجه فعرفوها بها, فما كان منها إلا أن استوقفت موكبه ونادته باسمه مجردا فاستجاب لها مترجلاعن جواده واتجه إليها وهويرتجف فقالت له: ملكتم فآسرتم, فكان منكم الجور والعسف وقطع الأرزاق, قد علمتم سهام الأسمار نافذة غير مخطئة لاسيما الصادر منها من قلوب أوجعتموها وأكباد أذقتموها قسوة الجوع, محال أن يموت المظلوم ويبقي الظالم, فاعملوا ماشئتم فنحن صابرون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. فارتعد الحاكم الظالم وأقبل عليها يسترضيها ويعدها أن يصلح كل شئ. عندما أحست السيدة نفيسة بالضعف والوهن ودنو أجلها تخيرت لنفسها قبرها في دارها وحفرته بنفسها ونزلت إليه وصلت فيه مرات, حتي قيل أنها قرأت القرآن الكريم بأكمله أكثر من مرة في هذا القبر الذي أحبته إلي درجة أنه كان يطيب لها المقام فيه أحيانا لساعات طويلة. وفي مرض الموت راحت تستعد لنهايتها وتقرأ القرآن حتي فاضت روحها أثناء قراءتها لسورة الأنعام عن عمر يناهز63 عاما ودفنت في القبر الذي أعدته لنفسها.