أكد الدكتور سعد الهلالي أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الحاكم ما نصب إلا من أجل الرعية وفي حالة تقصيره عن حق الرعية لم تعد له شرعية لأن البيئة مرهونة بالمصلحة وإقامة العدل, ويقول الله تعالي وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ولا فرق بين إنسان أو غيره سواء بالدين أو المذهب أو الطائفة, لأن لفظ الناس في هذه الآية يشملهم جميعا, فإذا وجد بعض الناس انحياز الحاكم لطائفة دون أخري أو انفراده بالقار دون مشورة كان لهم الحق في الخروج عليه لحماية حقوقهم التي ضيعها الحاكم, والطاعة للحاكم مرهونة بموافقة قراره للحق والعدل لقول النبي صلي الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقال أيضا إنما الطاعة في المعروف فإذا خرج الحاكم عن هذا المعروف لم يكن له حق شرعي في السمع والطاعة ليس في المطلق, ولكن في الموضوع الذي خرج فيه عن المعروف وفي حال خروج الناس وغضبهم علي الحاكم وجب عليه أن يحسن استقبالهم وأن يستمع إليهم وأن يزيل الشبه التي عندهم فإذا عجز عن ذلك وجب عليه أن يتنحي حتي يفسح المجال لغيره ممن يمتلك القدرات علي استيعاب الناس وتأمينهم. ويذكرنا الدكتور الهلالي بأن هناك ثلاث حوادث مماثلة لما يحدث الآن في مصر, الحادثة الأولي وقد كانت عام36 هجرية عندما هاج بعض الناس علي سيدنا عثمان بن عفان, وطالبوه بالتنحي, وقف أنصار سيدنا عثمان لحمايته, وكان سيدنا عثمان يمتلك80 عبدا يوم أن كانت العبودية منتشرة وظاهرة إنسانية في هذا الوقت( آنذاك) ورفعوا سيوفهم لحماية سيدنا عثمان ومن يريد إيذاءه, فمنعهم سيدنا عثمان وقال لهم من وضع سيفه فهو حر, حتي يشجعهم علي ترك القتال, وحتي لا يتحمل تبعة عملهم الإجرامي بقتل الآخرين, وضحي سيدنا عثمان رضي الله عنه حتي يزيل الفتنة القائمة التي خرجت ضده, والحادثة الثانية, وحدثت عام37 هجرية( عندما تولي سيدنا علي بن أبي طالب الخلافة بعد مقتل سيدنا عثمان ببيعة صحيحة إنشق عليه( في بغداد) معاوية بن أبي سفيان بالشام وأعلن خلافته بعد سيدنا عثمان بن عفان, فخرج أنصار سيدنا علي بن أبي طالب في جيش كبير بأسلحة قتالية وجنود مدربين لمحاربة معاوية وجنوده في حركته الانفصالية وانقلابه علي( الشرعية) فاحتال جيش معاوية انتفاعا بفكرة عمرو بن العاص برفع المصاحف علي أسنة الرماح مطالبين( بالتحكيم) بدلا من مواجهة جيش سيدنا علي القوي, فقبل سيدنا علي( التحكيم) رغم معارضة كثير من أتباعه الذين وجدوا امتلاكهم القوة الكافية بالقضاء علي جيش معاوية إلا أن سيدنا علي آثر السلامة لجميع الدماء من الطرفين وقبل التحكيم, وعندما فشل التحكيم قبل سيدنا علي أن يعيش في العراق, وأن يترك معاوية في الشام دون قتال وسفك دماء. أما الحادثة الثالثة وحدثت عام40 هجرية, فيذكرنا بها الدكتور الهلالي قائلا إنه عندما قتل علي بن أبي طالب عام40 هجرية تولي الخلافة من بعده سيدنا الحسن بن علي فأرسل سيدنا معاوية إلي سيدنا الحسن من أجل الصلح معه, وتوحيد الدولة الإسلامية فقبل سيدنا الحسن هذه الدعوة مع امتلاكه جيشا كبيرا وجنواد أقوياء في بغداد وأعلن كأول حاكم مسلم شرعي تنازله عن الحكم وانسحابه من الساحة السياسية وتسليم مقاليد الأمور بسلمية كاملة لسيدنا معاوية بن أبي سفيان, وسمي هذا العام( بعام الجماعة) حيث صارت الأمة الإسلامية دولة واحدة برئيس واحد بعد أن عاشت أربع سنوات من قبله برئيسين. ويتساءل الدكتور الهلالي, قائلا: هل يعيد التاريخ نفسه في مصر وتظهر بطولة الحكم ليتولاه شخص مرغوب فيه من كل الأطياف ويمتلك من سعة الصدر ما يسع كل المصريين ويمتلك من قوة البصيرة ما يستثمر به مواهب المصريين لإقامة حضارتهم كل في تخصصه؟ ويحدث ذلك دون تقسيم المجتمع المصري إلي طوائف وفرق ومذاهب فالدين الذي أنزله الله عز وجل جعله اختيارا وليس إلزاما في الدنيا حتي يحصل المتدين علي أجره يوم القيامة, فقال الله تعالي: لا أكراه في الدين وقال تعالي: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وحرية الدين تتفرع عنها حرية المذهب, فلا يجوز لإنسان أن يفرض مذهبه علي غيره, ولا دينه علي غيره, وإنما التعاون بين الناس يكون بالتعاقد الإنساني بينهم, فما توافقوا فيه اجتمعوا علي العقد الذي يلتزمون به, وما لم يتوافقوا فيه فأمره إلي الله والدنيا تسعهم جميعا دون تصادم أو اقتتال أو سفك دماء بينهم.