بينما كان خبراء المال والإقتصاد العرب يتحدثون عن تأثير الوضع السياسي العربي بعد عامين من ثورات الربيع علي الإقتصادات العربية, كانت أعينهم معلقة بشاشات البث المباشر عما يجري في شوارع القاهرة وسوريا وغزة من أحداث عنف وتخريب. وهذا الوضع الصعب عبر عنه محمد بركات رئيس بنك مصر في افتتاحه القمة المصرفية العربية الدولية التي إختتمت أعمالها أمس الأول بالعاصمة النمساوية فيينا بأن المنطقة العربية تمر بمنعطف تاريخي, ودور المصارف العربية في هذه المرحلة هو دعم الدول لإعادة بناء إقتصاداتها مرة أخري. وأوضح أن القطاع المصرفي مازال له الدور المحرك للإقتصاد حيث حافظ علي تماسكه وأصوله التي نمت بنسبة8 %لتصل إلي2.6 ترليون دولار. وأكد أن البنوك العربية تقوم بدورها في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ أمتنا المعاصر, وسيعمل إتحاد المصارف العربية علي الإستمرار في ممارسة دوره لتفعيل التعاون المصرفي العربي العربي, والعربي الدولي, والعمل الجاد مع المؤسسات المالية العالمية مثل الصندوق والبنك الدوليين بهدف دعم الإقتصاد العربي في هذه المرحلة, ومد الشركات والمؤسسات العربية بالتمويل اللازم لمكافحة البطالة وتنشيط الأسواق. وبدوره أكد ميشيل سبيندليجر نائب المستشار الفيدرالي النمساوي ووزير خارجية النمسا علي الوضع السياسي مشيرا إلي أن العالم كله يشهد تحولات صعبة تتطلب الكثير من الوقت والصبر, ونأمل أن تؤدي في النهاية لمزيد من الإزدهار. وحذر من صعوبة الوضع السوري ووقوع100 ألف قتيل وتدمير مئات القري في حرب أهلية طاحنة وهو ما يهدد الإرث الثقافي العالمي, وأن النمسا تدعم الجهود المبذولة من الجانب الأمريكي والروسي والأسرة الدولية لوقف العنف في سوريا, كما طالب بحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي مؤكدا دعم الإتحاد الاوربي لجهود وزير الخارجية الامريكي جون كيري بالرغم من أن التوصل لحلول فعلية صعب للغاية مطالبا الجانب الإسرائيلي بوقف بناء المستوطنات, وأن تلتزم حماس بحل للتفاوض حوله. هكذا كانت السياسة تسيطر علي فاعليات القمة المصرفية إلا أن الإقتصاد والفرص كان هو الهدف حيث أردف المستشار النمساويقائلا: إن تقارير مؤسسة التنمية الدولية تؤكد أن هذا العام هو عام الفرص في العالم العربي. وقال إن من مصلحة النمسا والإتحاد الأوربي دعم الإستقرار السياسي في المنطقة العربية فنحن جيران بحكم الموقع علي المتوسط, وقال إن المساعدات الاقتصادية من الإتحاد الأوربي وسيلة لتعزيز مستويات المعيشة للمواطن العربي وتعين علي الإنتقال الديمقراطي, واردف:انه بالرغم من التحديات الإقتصادية التي يواجهها الإتحاد إلا أنه رصد440 مليون يورو لدول الربيع العربي, لتحقيق الامن الإقتصادي. وقال ان الإتحاد حريص علي تنمية التجارة مع المنطقة العربية عبر عقد إتفاقات تجارة حرة تمت مع المغرب, وتونس هذا العام, والفترة القريبة المقبلة سيتم التفاوض مع مصر والأردن. وأكد أن شباب هذه الدول يطالب بحقه وهذا لن يتحقق إلا عبر التنمية ومشاركة القطاع الخاص. هيربرت ستيبك الرئيس الفخري لغرفة التجارة العربية النمساوية أشار أيضا إلي أهمية التعاون الأوربي العربي, وقال انه نتيجة للمنافسة إنخفض العائد علي الأموال, مؤكدا أن النمو والربحية مازالت تأتي من الأسواق الناشئة, وأن المصارف الأوربية حققت خلال الخمس سنوات الأخيرة صفر في المائة, واسيا نسبتها17%, مضيفا ان التعاون بين السياسيين( يقصد بهم الحكوميين) وبين المصارف مهم للغاية. وإلتقط الخيط جاسم المناعي رئيس صندوق النقد العربي والذي شدد علي الأوضاع السياسية مؤكدا أن مصر وتونس لم تنته التوترات بها بعد, وليبيا واليمن عرفتا النزاعات المسلحة والسياسة فيها مازالت بمرحلة إنتقالية, وسوريا في خضم حرب أهلية, وهو ما يعني أن الوضع الراهن عدم استقرار وعدم يقين, ومن ثم فإن السياحة والإستثمار يغادران هذه الدول بحثا عن فرص أفضل ومن هنا فلابد من المساعدة, ومبادرة دوفيل ليست كافية ولن تكون فعالة, والوضع في دول الربيع العربي يستلزم حشدا جادا للدعم من الأسرة الدولية, والدعم المالي من المنطقة العربية وخاصة الخليجية منها, مشيرا إلي التعاون بين صندوق النقد العربي وكل من مصر وتونس واليمن والمغرب, منتقدا في ذات الوقت أن الأسرة الدولية لم تؤمن قروضا طويلة الأجل لمصر, ربما لظروف أمريكا وأوربا الإقتصادية الصعبة, ومن ثم فإن المصارف في المنطقة العربية هي المصدر الوحيد لعملية الإنعاش الإقتصادي المطلوبة لفترة ما بعد النزاع. أيضا تحدث خلال الجلسة الإفتتاحية جوزيف طربيه رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب مؤكدا علي أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المصارف العربية في دعم التنمية وخاصة في فترات التحول منوها أن أصول وموجودات المصارف العربية تمثل105 %من الناتج المحلي الإجمالي العربي. وشارك بالحضور والتحدث للمؤتمر أيضا إيوالد نواتني محافظ البنك المركزي النمساوي والذي استهل كلمته بكلمة معبرة حيث قال إنه عندما كنا نواجه صعوبات كان شركاؤنا العرب يبرهنون دائما علي المصداقية والالتزام والوقوف إلي جانبنا لعبور الأزمة. وقال أن الوضع الاوربي مازال صعبا علي المستوي الإقتصادي, وعام2013 سيحقق نموا سلبيا بنسبة0.6 %, وأعلن بصراحة أن البنوك وحدها لن تأتي بالحل. وأكد أن الحلول تتمثل في ألية إشرافية موحدة للإتحاد الاوربي, وآلية لإتخاذ القرارات, وأنه لابد من عبور الازمة حتي لا يتحمل دافع الضرائب الثمن الاكبر. وأشار رغم ذلك إلي أن النمسا من أفضل الإقتصادات في المنطقة الأوربية. وفي الجلسة الإفتتاحية أرسل بان كي مون أمين عام الأممالمتحدة برسالة مسجلة للقمة دعا فيها المصرفيين العرب للتركيز علي مكافحة أسلحة الدمار الشامل, التي أكد مخاطرها البيلوجية والكيميائية والنووية, وأن المصارف يمكنها لعب دور مهم في بناء القدرات المدنية في مختلف القطاعات لمواجهة هذه المخاطر وتفعيل القرار1540 الذي أصدرته الأممالمتحدة بهذا الشآن. وقال أن المؤسسات المالية شريك اساسي في منع إنتشار أسلحة الدمار الشامل. هذه الرسالة كانت محور أعمال اليوم الثاني من المؤتمر حيث عقدت جلستا عمل أدارها وسام فتوح أمين عام إتحاد المصارف العربية إلي جانب خبراء الأممالمتحدة المسئولين عن القرار1540 وإنفاذه, وأكد وسام فتوح في تصريحات خاصة في ختام أعمال المؤتمر أن الإتحاد أصبح منصة دفاع للمصارف العربية وإلي جانب دوره الفني والتدريبي أصبح بمثابة لوبي للبنوك العربية وذلك علي الأقل من خلال مؤتمره الدولي السنوي حيث يختار قضية مهمة دوليا وتمس الوضع المصرفي والمالي, ومن ثم نقل وجهة نظر البنوك العربية وخاصة في المسائل المتعلقة بعمليات التمويل, شرح الوضع التمويل العربي, وأكبر دليل إستضافة الأممالمتحدة للقمة, إضافة لمشاركة فاعلة لوزير خارجية النمسا ومحافظ البنك المركزي النمساوي. وأضاف أن الإتحاد منظمة مهنية ترعي مصالح أعضائها ولا تنشغل بالمسائل السياسية, ولكنها تشارك بالرأي في أي قرار دولي يمس أعمالها, علي سبيل المثال المصارف العربية والإتحاد كان له دور مهم في تأكيد الالتزام المصرفي العربي بقرارات منظمة العمل الدولية الفاتف المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب, وكما قال النص الحرفي لكلمة بان كي مون أن القطاع المصرفي هو العمود الفقري للإقتصاد العالمي والإتحاد عبر تأكيد دوره لصد أي هجوم علي مؤسسات المصارف العربية, يهمه أيضا تأكيد إلتزام هذه المصارف بجميع القرارات الدولية, ومنها قرارات بازل, وقرارات مجموعة العمل الدولية الفاتف. شارك في أعمال المؤتمر وفد مصرفي مصري كبير يضم محمد الديب رئيس بنك قطر الوطني الاهلي, ومنير الزاهد رئيس بنك القاهرة, وعبد المجيد محيي الدين رئيس البنك العقاري المصري العربي, ومحمد عبد الجواد نائب الرئيس والعضو المنتدب للمصرف العربي الدولي, وهاني سيف النصر رئيس بنك الاستثمار العربي وحسين رفاعي رئيس القطاعات المالية وعضو اللجنة التنفيذية بالبنك الأهلي, وعصام ابو حامد نائب الرئيس ببنك التعمير والإسكان, وأحمد عيسي رئيس القطاع المالي بالبنك التجاري الدولي, ولفيف من خبراء المال والإقتصاد والوزراء العرب. علي هامش المؤتمر أستقبل هانز فيشر رئيس النمسا وفدا يمثل إتحاد المصارف العربية برئاسة محمد بركات رئيس إتحاد المصارف العربية وبمشاركة عدنان القصار الذي تم إختياره الشخصية المصرفية العربية لعام2013/2012 حيث أكد رئيس النمسا علي إهتمام بلاده بالتعاون مع الإتحاد الأوربي علي دعم التنمية بالمنطقة العربية, منوها علي زيادة التجارة مع المنطقة العربية إلي4.5 مليار يورو, وأشار إلي أهمية البعثات التعليمية التي زارت النمسا في فترة الخمسينيات, مؤكدا علي إستعداد بلاده للتعاون الدائم في مختلف المجالات مع كافة الدول العربية التي تربطه بها علاقات سياسية متميزة. وفي تصريحات خاصة في ختام المؤتمر أكد محمد بركات رئيس إتحاد المصارف العربية أهمية المؤتمر في تحقيق التواصل المطلوب مع الكيانات المالية العربية والعالمية, ومناقشة القضايا المشتركة, والحرص علي ألا يكون الإتحاد متلقيا للقرارات بل مشاركا فيها, وأشاد بركات بحسن تنظيم المؤتمر وبالمشاركة الفعالة من الدكتور عدنان يوسف الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة والرئيس السابق للإتحاد وقال أن حضوره أضفي علي المؤتمر الكثير لما يتمتع به من دماثة الخلق والشبكة الواسعة من العلاقات الطيبة مع الجميع, كما أشاد بمشاركة الدكتور جوزيف طربية رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب والرئيس السابق للإتحاد والذي يساهم بجهود فعالة في تنمية دور الإتحاد, كذلك أكد علي الجهود التي بذلها وسام فتوح أمين عام الإتحاد وفريق عمل الإتحاد وموظفيه الذين بذلوا كل الجهد لتحقيق هذا النجاح الكبير للمؤتمر وبلوغ أهدافه. البقية الأسبوع المقبل بمشيئة الله