كل عام ونحن جميعا بخير.لقد بدأ فصل الصيف رسميا يوم 21 يونيو الحالى ومعه شعرنا جميعا بحرارة الجو.وعندها يكون كوب كوكتيل الفواكه المثلج هو أفضل رد على المصافحة الحارة التى نستقبل بها الصيف كل عام. وكعادتى جلست أحتسى كوب كوكتيل الفواكه المثلج وأنا اتابع الجديد فى العالم من حولنا.وجذب إنتباهى أمر هام. فبهدوء شديد شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا اجتماعا هاما فى إطار مشروع قاري أفريقى طموح يستهدف إعادة كتابة تاريخ القارة الأفريقية. فقد إستضافت العاصمة الإثيوبية خلال الفترة من 20 إلى 22 مايو 2013 أعمال إجتماع الخبراء لإعداد المجلد التاسع من التاريخ العام لأفريقيا. ومن المعروف أن التاريخ الأفريقى ظل يكتب حتى وقت قريب بأيادى المستعمر إلى أن أدرك الأفارقة أن الوقت قد حان لأن يكتب الأفارقة تاريخهم بأيديهم. وكان من المؤسف أن إستولى المستعمر الأجنبى على "التاريخ الأفريقى". فغالبية المراجع التاريخية لدول القارة الأفريقية كتبها أجانب من خارج القارة ينتمى أغلبهم الأعم لدول الإستعمار القديم والجديد على حد سواء، وبالتالى ظهرت الكثير من التحيزات والأخطاء التاريخية الناجمة إما عن جهل بطبيعة القارة وشعوبها أو المتعمدة لإحداث آثار ترتبط بمصالح المستعمر على المدى البعيد. وقد اعترض الأفارقة على سيطرة "المركزية الأوروبية"على غالبية مقررات التاريخ والكتب الدراسية الخاصة بمادة التاريخ فى أنحاء القارة. وعقب عام من تدشين منظمة الوحدة الأفريقية فى مايو عام 1963 تم تدشين مشروع كتابة التاريخ العام لأفريقيا إستجابة لتطلعات الدول الأفريقية المستقلة حديثا لإنهاء إستعمار تاريخهم وتصحيح ما تمت إشاعته عن ماضيهم عبر دراسات وكتب ومقالات ومحاضرات كان مصدرها المستعمر الأجنبى. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تشكلت لجنة علمية دولية من 39 عضو كان نصيب الأفارقة منها الثلثين، هذا بالإضافة إلى 350 من المؤلفين والمترجمين والمحررين من مختلف المناطق. وجاء المجلد التاسع الذى كان موضوع الإجتماع الأخير تلبية لمطالب الإتحاد الأفريقى والدول الأفريقية باستكمال المجموعة الكاملة للتاريخ العام لأفريقيا بإضافة كل ما يتعلق بالتحديات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية التى تواجهها القارة الأفريقية اليوم. وكان أعضاء اللجنة قد تعاونوا على مدار 35 سنة لإتمام مشروع تدوين التاريخ العام لأفريقيا. ونجحوا فى إتمام 8 مجلدات من النسخة الأصلية التى تمت كتابتها باللغات الإنجلزية والفرنسية والعربية. وفى وقت لاحق تمت ترجمة المجلدات إلى 13 لغة إضافية من بينها ثلاثة أفريقية هى "الكيسواحيلى" و"الفلفلدى" و"الهاوسا". كما قدمت اللجنة 12 دراسة ووثيقة و12مجلد تتعلق بمصادر التاريخ الأفريقى. وفى عام 2009 دخلت اليونسكو كشريك فى مشروع تطوير وتحديث مقررات التاريخ وكتب التاريخ إستنادا لما قدمته لجنة مشروع تدوين التاريخ العام لأفريقيا. وهنا يبرز سؤال هام: ما الإسهامات العربية بوجه عام والإسهامات المصرية على وجه الخصوص فى تلك المرحلة الختامية من إعادة كتابة التاريخ الأفريقى؟ وتأتى الإجابة غامضة. فنحن كمواطنين مصريين لم نسمع بهذا الأمر من الأصل!! كما لم يتم تداول أية معلومات تفيد بتشكيل لجنة من المؤرخين المصريين وعرب الشمال الأفريقى للمشاركة فى إعادة كتابة التاريخ الأفريقى وخاصة فيما يتعلق بالجزء التاسع الخاص بتحديات القارة فى العصر الحالى! وباختصار وحتى لا تكون هناك مفاجآت "صاعقة" كما إعتدنا، فإن الأفارقة يعتزمون إضافة ما سيتم التوصل اليه من روايات تاريخية إلى المناهج الدراسية المختلفة فى أنحاء القارة التى نقع فيها. وإذا كان هناك من الخبراء من يؤكد على نشر قوى الإستعمار والقوى المتواطئة معه للكثير من الأكاذيب والسلبيات حول دور العرب فى أفريقيا على مدى القرنين الأخيرين، فإن هذا يعنى أن إختفاء أو إخفاء الدور العربى فى إعادة تدوين التاريخ الأفريقى وتصحيح ما تم الزج به من معلومات مغلوطة يعد خطرا حقيقيا على مستقبل العلاقات العربية الأفريقية بوجه عام والعلاقات المصرية الأفريقية على وجه الخصوص. فالإستعمار ربط عرب أفريقيا بتجارة العبيد وبالإستيلاء على ثروات الأفارقة وإستعبادهم وبمحاولة منعهم من التنمية والتقدم. ولم يكن من الغريب أن تكون كافة تلك الأكاذيب فى مقدمة الأسباب المعلنة التى تم بثها بين شعوب دول حوض نهر النيل لتثير غضبهم على دول المصب العربية السودان ومصر!! وهكذا فإن الأفارقة ماضون فى تخليص التاريخ الأفريقى من السيطرة الإستعمارية عليه وعلينا نحن المصريين والعرب أن نساهم فى تخليص التاريخ الأفريقى من سيطرة الإستعمار من جانب ومن التشويه والخلط والأكاذيب التى بثها الإستعمار عن العرب فى أفريقيا من جانب آخر. فنزع فتيل تلك الأكاذيب ومحوها سيحمى مستقبل العلاقات العربية الأفريقية من كافة "الضربات الفكرية" و"الأسافين الثقافية" التى وجهتها قوى الإستعمار للقارة بغرض القضاء على إستقرارها وتعاون دولها وشعوبها. دارت كل تلك الأفكار فى ذهنى وانا أنتهى من كوب كوكتيل الفواكه المثلج، فنحيت الكوب جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات ط