"من ميدان تقسيم إلى ميدان التحرير يا قلبي لا تحزن"، الأسباب تتغير والمشهد يظل واحدا .. هذا هو حال التظاهرات التي شهدتها مدينة إسطنبول وعدد من المدن التركية، احتجاجا على إقرار الحكومة التركية تحويل ساحة "تقسيم" بإسطنبول وتحويل الحديقة العامة به إلى مجمع تجاري. ففي الوقت الذي استخدمت حكومة الرئيس السابق حسني مبارك خلال الثورة، الجمال ضد المعتصمين والمتظاهرين السلميين فيما عرف بموقعة "الجمل"، نجد الحكومة التركية تستخدم "الكلاب" لتفرقة المتظاهرين، ويبدو أن الحيوان هو العامل المشترك بين متظاهري التحرير ومتظاهري تقسيم. ويبدو أن أنظمة الحكم المتعاقبة في الدول، لا تختلف عن سابقتها، ولم ولن تتعلم الدرس مما سبقها، في كيفية التعامل مع المظاهرات التي تخرج ضدها، ونجد أن اللغة المستخدمة في عملية التعامل لغة متشابهة، لا تخلو من العناد والاستهجان ضد المتظاهرين، فرئيس الحكومة رجب طيب اردوغان أكد عدم تراجعه عن مشروع تطوير ساحة التقسيم، وكأنه لم يتعلم الدرس مما سبقوه. المظاهرات التي تشهدها تركيا حاليا، ليست هي الأولى من نوعها منذ مجيء حكومة أردوغان للحكم في 2002، بل شهدت مدن تركيا مظاهرات واحتجاجات أكبر من ذلك خلال التعديلات الدستورية وعملية الاستفتاء على الدستور، لكن يبدو أن ثورات الربيع العربي تريد أن تتسلل إلى تركيا. وبقراءة سريعة داخل المعارضة التركية، نجد أن هناك انقسام بداخلها بشأن الأحداث، ففي الوقت الذي يدعو فيه حزب "الشعب الجمهورى" إلى مزيد من الاحتجاجات والاضطرابات التي من شأنها تعرقل مسيرة الإصلاحات، يدعو حزب "الحركة القومية" أنصاره إلى ضبط النفس وتقديم مصلحة البلاد على المصالح الخاصة. وذهب بعض المحللين السياسيين إلى أن المظاهرات لن تتحول إلى "ثورة ضد النظام"، وأن الانتفاضة المزعومة لا تستولى إلا على عقول الموالين للنظام السوري وحلفائه، وعقول الذين يتمنون سقوط "النموذج التركي" الناجح، والبعض الأخر لم يستبعد أن يكون الجيش هو من خطط لمثل هذه الأحداث بعد فشله في الإطاحة بالنظام الإسلامي من خلال الانقلابات المتوالية بعد أن قطع النظام عليه الطريق. وهنا تبرز عدة تساؤلات، منها ما الذي يجري في تركيا؟ .. وهل سترقي المظاهرات التركية الى مستوى ثورات الربيع العربي وتكون ربيعا تركيا؟ . هل استغلت المعارضة التركية الحدث لإشاعة الفوضى في البلاد والنيل من مسيرة الحزب الحاكم أم انها عملية لتصفية حسابات سياسية بين العارضة والسلطة؟ .. وهل هناك جهات خارجية ضالعه في تحريك هذه المظاهرات والاحتجاجات خاصة في ظل التحرك التركي البارز في المنطقة؟ وهل النظام السوري استغل توظيف هذه الاحتجاجات لإبعاد النظر عنه وانتقام من الدور التركي في مساندة الجيش السوري الحر؟ يجب على الحكومة التركية دراسة الأسباب، التي اندلعت من اجلها الاحتجاجات والمظاهرات، بعناية فائقة من اجل استخلاص الدروس والعبر، وعدم الوقوع في أخطاء من سبقوهم، في دول الربيع العربي، والابتعاد عن لغة العناد والاستهجان ضد المتظاهرين .. فهل وصلت رسالة الشعب التركي للحكومة .. أم لم تصل بعد؟ [email protected] لمزيد من مقالات عماد الدين صابر