قلما يجد أليستر بيرت وزير شئون الشرق الأوسط البريطاني وقتا للكلام أو حتي رؤية أسرته, فهو دائم الترحال في الشرق الأوسط. وهو أقل مخططي السياسة الخارجية ابتساما,وقد يفسر ذلك كونه يتعامل مع أحد أهم الملفات الشاغلة لسياسة المملكة المتحدة الخارجية... ثورات الربيع العربي. الربيع العربي هو, كما يقول بيرت, وزير شئون الشرق الأوسط بالحكومة البريطانية في مقابلة مع الأهرام: أكثر من مجرد سلسلة من الأحداث المتفرقة, فهو عبارة عن عملية مستمرة أوضح من خلالها المواطنون من كافة أنحاء المنطقة بأنهم يطلبون صيانة كرامتهم ومحاسبة حكوماتهم. يصف الإيرانيون بريطانيا بأنها ثعلب عجوز أكثر دراية من غيرها بالمنطقة. غير أن البريطانيين مازالوا حائرين في فهم اتجاه الثورات العربية بعد مرور عام علي بداية ربيعها, فالوزير البريطاني يقر بأنه من الصعب القول متي وكيف سينتهي ذلك, والوضع يختلف من بلد لآخر, وفي النهاية فإن نجاح أو فشل حركات التغيير هذه يعتمد علي شعوب المنطقة'. وفي أواخر شهر فبراير الماضي, قال رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون أمام مجلس الأمن الكويتي' كان من الخطأ دعمنا لأنظمة قمعية وغير ديمقراطية( في العالم العربي) أملا بأن يكون في ذلك خدمة أفضل لمصالحنا.. الآن تدعو بريطانيا العالم لمساعدة الشعوب في مواجهة الحكومات القمعية, يقول بيرت' علي المجتمع الدولي مساندة التطلعات المشروعة للشعوب التي تطالب بالحرية ومحاسبة حكوماتها, وعليه أن يدين الحكومات التي تسعي للقمع العنيف لمطالب التغيير السلمية والعادلة, وأن يتخذ خطوات لمنعها من ذلك. وفي أوائل مارس الماضي, اعترفت لندن بأن' دعم الغرب في السابق للوضع القائم عاد بنتائج عكسية: حيث إن غض النظر عن الأنظمة القمعية لم يخدم مصالحنا. فما نتج عن تلك الأنظمة ذاتها كان حالة من جمود الأوضاع وكراهية الغرب, بل إنها غذت التطرف نفسه الذي كان يفترض بمثل ذاك الدعم أن يتصدي له ويلجمه. بإنجاح الثورة المصرية تراهن السياسة الخارجية البريطانية, حسبما يري بيرت, لإصلاح ما أفسد في المنطقة بفعل القمع والمساندة الخارجية, ويؤكد إن عملية الانتقال للديمقراطية في مصر تعتبر ضرورية جدا لأجل استقرار مصر وتعافي اقتصادها, وكذلك لأجل الربيع العربي ككل والمنطقة علي نطاق أوسع. فماذا تفعل بريطانيا علي الأرض, فضلا عما تعتبره دعما سياسيا تمثل في كون رئيس وزرائها هو أول زعيم غربي يزور القاهرة بعد سقوط مبارك, كي تنتصر الديمقراطية في مصر؟ يجيب بيرت' نحن نمول مشاريع تفوق تكلفتها1.5 مليون جنيه استرليني( عام2011) من خلال صندوق الشراكة العربية لمساعدة المنادين بالإصلاح لبناء أسس الديمقراطية في المجتمع'. ومن بينها' مشاريع تهدف إلي دعم مراقبة المنظمات الأهلية للانتخابات, والمساعدة في تمكين الإعلام المفتوح الحر, وتوفير فرص اقتصادية أكبر, وتعزيز سيادة القانون'. سياسيا, يقول الوزير البريطاني: إن بلاده تقدم دعما ومشورة للأحزاب السياسية الناشئة وأعضاء البرلمان, خصوصا المرشحات في الانتخابات'. في الملف السياسي أيضا, تشكو بريطانيا من ظلم الانتقادات الموجهة لها بالتباطؤ في حسم ملفي تسليم بعض رجال نظام مبارك الهاربين في أراضيها, وإعادة أموال مصر المنهوبة, في الملف الأول تعهد بيرت بأن البريطانيين ملتزمون بالتعاون مع السلطات المصرية في عدد من المجالات, بما في ذلك المسائل القانونية. ليس هناك اتفاقية لتبادل المطلوبين بين المملكة المتحدة ومصر, ووزيرة الداخلية هنا هي من تقرر ما إذا كنا سندخل في إجراءات استثنائية لتسليم المطلوبين, وكرر الوزير ما يقوله زملاؤه في وزارة الداخلية: من حيث المبدأ فإنه في حال تقديم أدلة دامغة إلينا( تتعلق بطلب تسليم أي مسئول سابق) فإننا سوف نتخذ إجراءات بموجبها'. الفارق بين مصر وليبيا وحسب أحدث التقارير الرسمية, فإن وزارة الخزانة البريطانية جمدت أموالا وأصولا ومنقولات مصرية بأكثر من40 مليون جنيه استرليني. لكنها لم تسلم لمصر, بينما في الحالة الليبية, مثلا, افرجت لندن الأسبوع الماضي عن6.5 مليار جنيه استرليني من الاموال الليبية المجمدة. يفسر بيرت الاختلاف في المعاملة بما سماه الاختلاف في الاوضاع بمصر وليبيا. ويوضح' في حالة ليبيا, تم فرض عقوبات الأممالمتحدة بسرعة بمجرد أن بدأ نظام القذافي باللجوء للعنف الفظيع لمواجهة شعبه. بينما لم تكن هناك أي عقوبات من الأممالمتحدة ضد مصر. في الحالة المصرية, لم يحدث تحرك دولي إلا في يوم21 مارس الماضي عندما اتفق وزراء الاتحاد الأوروبي علي تجميد أرصدة أفراد حددتهم السلطات المصرية باعتبارهم اختلسوا أموال الدولة. ويقول الوزير البريطاني' كانت المملكة المتحدة في مقدمة المطالبين في الاتحاد الأوروبي باتخاذ هذا الإجراء, ونفذت قرار تجميد الأرصدة الذي أقره الاتحاد الأوروبي تنفيذا صارما: حيث أصدرنا تشريعا ملزما في غضون24 ساعة من صدور قرار الاتحاد الأوروبي, وجمدنا الملايين من الأموال في المملكة المتحدة بموجب هذه القرار. ولإعادة هذه الأموال إلي مصر لا بد من اتباع الأصول القانونية. الفارق الثاني بين الحالتين المصرية والليبية هو, كما يشير بيرت, أن غالبية الأرصدة الليبية كانت تمتلكها الحكومة, بينما أن غالبية الأرصدة المصرية كان يمتلكها أفراد'. لكنه رغم هذا الفارق, فإن ملف الأموال المصرية لا يبدو أنه تحرك منذ تجميد الأموال قبل تسعة شهور. يلمح بيرت إلي الأمر ليس بيد سلطات بلاده قائلا: لا توجد عملية رسمية لاستعادة الأرصدة المجمدة بموجب الإجراءات المقيدة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي. وإعادة السلطات البريطانية للأرصدة يتطلب اتخاذ إجراءات بموجب القانون المحلي البريطاني. وذلك يلزم صدور إدانة جنائية من محكمة مصرية وإصدارها لأمر قضائي لاستعادة هذه الأرصدة. عندئذ علي السلطات المصرية تقديم طلب تنفيذ ذلك الأمر القضائي بمقابل الممتلكات الموجودة بالجزء المعني في المملكة المتحدة, واستعادة ما يمكن تحقيقه من مبالغ مقابلها'. بريطانيا والكبار ومصر بريطانيا عضو في التجمعات الاقتصادية الكبري التي انتقدها بشدة رئيس الوزراء كمال الجنزوي الاسبوع الماضي لعدم تنفيذ وعودها بمساعدة مصر اقتصاديا. ويري البريطانيون إنهم يساعدون الاقتصاد المصري ولكن بشكل غير مباشر. منذ بداية ثورة25 يناير, دأب البريطانيون علي القول بأن الحرية والاستقرار والسلام والرخاء في مصر يخدم مصالح بريطانيا الوطنية, لكنه قلما يوضح السياسيون البريطانيون مثل هذه الأقوال. ويضرب وزير شئون الشرق الاوسط البريطاني بعض الأمثلة قائلا: الاستقرار والأمن من مصلحة ما يفوق مليون مواطن بريطاني يزورون مصر كل سنة, والاستقرار من مصلحة شركاتنا التي تعتبر أكبر مستثمر أجنبي في مصر, وسوف تستفيد الشركات البريطانية والمواطنون المصريون علي حد سواء كثيرا من وجود بيئة اقتصادية أكثر شفافية تعالج الفساد بشكل مناسب. ويضيف بيرت' من مصلحتنا العمل في العديد من أولويات السياسة الخارجية مع مصر قوية'. أمن إسرائيل والإسلاميين أمن إسرائيل, حليف بريطانيا الاستراتيجي في الشرق الأوسط, إحدي هذه الأولويات. فبريطانيا تدعم بشدة استمرار تأييد مصر لاتفاقية السلام التي وقعتها مع إسرائيل, وهو ما يصب في مصلحة أمن المنطقة', كما يؤكد بيرت. كيف تري بريطانيا, إذن, إمكانية تحقيق أهداف الربيع العربي في مصر, ومن ثم خدمة مصالحها الوطنية. يعتبر بيرت أن ثورة يناير, التي تعهد بمواصلة بلاده دعمها حتي الانتقال إلي الديمقراطية' فرصة هائلة للشعب المصري. غير أنه يعتقد بأن مهمة إصلاح مصر وتحولها إلي الديمقراطية لن تكون سهلة. ويقول إن' تحقيق إصلاح فعلي لا رجوع عنه سوف يستغرق وقتا, وهناك عوائق كبيرة يتعين التغلب عليها. في بريطانيا, كما في غيرها من دول الغرب, يطرح السؤال: هل ستتقبل المملكة المتحدة مصر حينما تكون تحت حكم الإخوان المسلمين أو حكومة إسلامية؟ يرد بيرت بأنه طالما أن الخيار هو خيار الشعب الحر فإن بريطانيا سوف تقبله. غير أنه يضيف' نحن نعتقد بأن المتطلب الأساسي لكافة الأطراف المشاركة في الهياكل السياسية الجديدة هو احترامهم للعملية الديمقراطية وإبداء التزام واضح بصيانة حقوق الإنسان والمساواة للجميع وسيادة القانون وعدم اللجوء للعنف, ويؤكد إننا نتواصل مع كافة الجماعات السياسية, بما فيها الإسلاميون, التي تستوفي هذه المعايير. ما يهم هو ليس صفة إسلامي بل أفعال الحزب, وتبقي معاهدة السلام مع إسرائيل أحد المتطلبات البريطانية الاساسية. فيقول بيرت' نحن نتوقع من أي حكومة مصرية احترام كافة التزاماتها بموجب الاتفاقيات الإقليمية والدولية.