أمضيت أسبوعا كاملا في زيارة الي ايران, بدعوة كريمة من رئيس مكتب رعاية مصالحها بالقاهرة, السفير محتبي أماني, ضمن وفد اعلامي مصري رفيع المستوي, التقي خلالها العديد من المسئولين الإيرانيين. التقي الوفد كذلك مع رئيس مكتب رعاية مصالح مصر في طهران,السفير خالد عمارة, وحضر مراسم الاحتفال بالذكري الرابعة والعشرين لوفاة الإمام الخوميني, وفي النهايةاطلع الوفد علي الاستعدادات القصوي لإجراء الانتخابات الرئاسية والبلدية التي ستقام في ايران يوم الجمعة المقبل. في اللقاء الذي جري ترتيبه مع آية الله الشيخ محسن الأراكي, رئيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بطهران, وهو في نظري فقيه ديني رائع وحجة إسلامية شيعية معتبرة, تحدث سماحته عن حتمية التقريب بين المذاهب الإسلامية, باعتبارها واجبا شرعيا, غير انه في الوقت نفسه أشار بمرارة إلي حالة الضعف السياسي المقيتة التي تشهدها الأمتان العربية والإسلامية, قائلا: الأوروبيون اتحدوا رغم ما بينهم من تاريخ دموي واختلافات, فما الذي يمنع اتحادنا؟ ما الذي يحول دون إنجاز هذه المهمة الشرعية الكبري؟! هنا, أجبت عن سؤال الشيخ الأراكي الجليل بسؤال مماثل: ألا تعتقد سماحتكم أن سبب حالة الضعف هذه إنما يعود في الأساس إلي إصرار انظمة الحكم في الأمتين العربية والإسلامية علي ادخال وحشر الدين في السياسة, فيما تتجه كل شعوب العالم المتقدمة والصاعدة إلي إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة بعيدا كل البعد عن ممارسة الدكتاتورية باسم الدين أو استخدامها الغليظ باسم العسكر ؟! أيضا, قلت لسماحة الشيخ الأراكي الجليل: ان ثورات الربيع العربي, التي تصفونها بأنها صحوات إسلامية, وهي لم ولن تكون هكذا علي الإطلاق, كان من الممكن ان تمضي هذه الثورات في طريقها الرائع لولا ان خطفها المتأسلمون.. أليست هذه دلالة قاطعة علي ان ادخال الدين في السياسة هو السبب المباشر لحالة الضعف والهوان الذي تعانيه الأمتان العربية والإسلامية؟! في لقاء آخر جمع الوفد الاعلامي المصري مع السيد حسين أمير, نائب وزير خارجية ايران, استمع الحاضرون إلي شرح تفصيلي معتبر للتطورات في العلاقات المصرية الإيرانية, المتنامية, وصولا إلي ما يثار من جانب متأسلمين مصريين عما يسمي بالمخاوف الشعبية في مصر من المد الشيعي, علاوة علي عن شرحه المستفيض لوجهة النظر الايرانية الرسمية للأوضاع بالغة السوء والمؤسفة في القطر العربي الشقيق بسوريا. بعد انتهاء الدبلوماسي الإيراني الكبير من شرح العديد من الملفات, توجهت اليه بهذا السؤال الاستفزازي: هل أعدت ايران العدة لأسوأ الاحتمالات الناتجة عما يسمي بإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة بما يخدم المصالح الصهيونية والإمبريالية, وذلك بتحين الفرصة ونشر الشباك للإطاحة بالثورة الايرانية الخومينية, وخصوصا أننا نري حالة الضعف الشديدة التي أصابت دول الجوار لإسرائيل, وشبه القرار الدولي المتخذ للخلاص من الأسد, بالطريقة ذاتها التي استخدمت في إزاحة صدام والقذافي, والإطاحة كذلك, عبر سيناريوهات أخري, بعملائهم غير المأسوف عليهم: زين العابدين ومبارك وصالح. لم أخرج بإجابة شافية عن هذا السؤال ولا عن السؤال الآخر الذي سبقه, غير أنني كدت أفوز بالإجابة الشافية عن سؤال لغز طرحته علي السفير خالد عمارة رئيس مكتب رعاية المصالح المصرية في طهران. السؤال هو: المسئولون الإيرانيون الذين التقاهم الوفد الاعلامي المصري في طهران اجمعوا تقريبا علي ان كل الأبواب مفتوحة علي مصاريعها من جانبهم لإقامة علاقات متميزة مع مصر علي جميع الأصعدة والمستويات, وعلي الأخص بعد قيام ثورة25 يناير المجيدة, ويرون ان الكرة الآن في الملعب المصري, فما هي أسباب التعثر والتوجس المصري, في مقابل الشغف الرسمي والشعبي الإيراني الظاهر للجميع في دفع العلاقات بين البلدين إلي ارفع المستويات؟! إجابة السفير خالد عمارة تلخصت فيما سماه بالتراكم السلبي المؤسسي المصري, عبر عقود وعقود, تجاه ايران, وعلي الأخص ما سماه سعادة السفير بان أجهزة الأمن القومي المصرية لا تزال تعمل علي قديمه فيما يخص الملف الإيراني حتي تاريخه!! [email protected] لمزيد من مقالات كمال جاب الله