(إن إمضاء عريضة مطبوعة هو أقل مظهر معروف من مظاهر الإعراب عن رأي الأمة). هكذا عبر سعد زغلول عن فكرة جمع توكيلات من المصريين للوفد الذي تم تشكيله في نوفمبر1918 برئاسته للسعي إلي استقلال البلاد. ويعني ذلك أن فكرة جمع توقيعات من الشعب للإعراب عن رأيه في أمر معين ليست جديدة في مصر التي سبقتها إليها شعوب في بلاد أخري في القرن التاسع عشر سواء في الكفاح من أجل الاستقلال, أو في النضال من أجل الديمقراطية. فهي وسيلة صالحة للاستخدام في ظروف مختلفة, ولا صلة لها بطبيعة السلطة القائمة سواء كانت محتلة أو وطنية, ديكتاتورية أو ديمقراطية. ولذلك قال عنها سعد زغلول إنها مظهر معروف من مظاهر الإعراب عن رأي الأمة. دار الزمن عدة دورات, واختلفت الظروف والملابسات. ومع ذلك ظلت الفكرة التي لجأ إليها المصريون منذ95 عاما كاملة ملهمة لعمل شعبي جديد بصيغة قريبة من تلك التي قامت عليها تلك الفكرة, ولكنها ليست مطابقة لها. فلم تدع حملة تمرد التي تبنت هذه الفكرة وجذبت عددا كبيرا من الشباب للمشاركة فيها إلي تحرير توكيلات لهيئة بعينها, وإنما إلي جمع توقيعات لمطلب محدد هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. والفرق بين الصيغتين طبيعي نتيجة اختلاف الظروف. فليس ممكنا اعتماد صيغة التوكيل إلا إذا كان هناك شخص أو أشخاص يتم توكيلهم لأداء مهمة محددة. وكان هذا ممكنا, بل ضروريا, عند توكيل هيئة الوفد المصري للذهاب إلي مؤتمر الصلح والمطالبة باستقلال مصر بعد الحرب العالمية الأولي. أما حين يكون المطلب عاما لا يقترن بأشخاص, تصبح صيغة التوقيع دعما لهذا المطلب هي الأكثر ملائمة. ويظل الإمضاء الذي تحدث عنه سعد زغلول هو القاسم المشترك والجامع لصيغتين يستهدف من يستخدم أيا منهما إثبات أن قطاعات واسعة من الشعب تؤيد دعوته. وهذا هو ما نجحت حركة التوكيلات التي بدأت في نوفمبر1918 واستمرت علي قدم وساق لأكثر من أربعة أشهر في تحقيقه بعد أن وصل عددها إلي أكثر من مليونين حين كان تعداد السكان في مصر حوالي15 مليونا. وهذا هو ما يسعي إليه مؤسسو حملة تمرد التي تتحرك في ظروف ليست فقط مختلفة ولكنها أكثر صعوبة أيضا مما كان عليه الحال قبل95 عاما. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد