يجتمع واضعو السياسات الاقتصادية من شتي أنحاء العالم في واشنطن العاصمة لحضور اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكما كان الحال في السنوات الخمس الماضية, ستشهد الاجتماعات الكثير من الحديث عن الأزمة الاقتصادية واستراتيجيات استعادة الثقة وإنعاش النمو وإيجاد فرص العمل وهناك شواهد متزايدة علي أننا ماضون في الطريق الصحيح, لكن هذه الأجندة مازالت تتطلب الكثير من العمل. وتتيح هذه الاجتماعات أيضا فرصة للنظر فيما وراء إجراءات مكافحة الأزمة علي الأمد القصير, وهي فرصة للزعماء لتبني رؤية طويلة الأجل وتقييم الوضع أين نقف.. وإلي أين نتجه؟. وإذا هم فعلوا ذلك, فانهم سيرون أننا اليوم أمام لحظة تاريخية, إذ أصبح بإمكاننا الآن إنهاء الفقر المدقع, ذلك الحلم الذي يراود البشرية منذ قرون. لقد حقق العالم في العقود الأخيرة إنجازات رائعة في جهود لمكافحة الفقر, وهي حقيقة غالبا ما تغفل عنها العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام التي تصور أوضاع الأزمة الحالية. فالفقر المدقع آخذ في الانحسار اليوم في البلدان النامية بفضل النمو القوي للقطاع الخاص والذي يدعمه تحسن الحوكمة الاقتصادية, وفي عام1990, كان43% من السكان في البلدان النامية يعيشون علي أقل من 125 دولار للفرد في اليوم, وتذهب تقديرات البنك الدولي إلي أنه بحلول عام2010 هبط هذا الرقم إلي21%, وتحقق الهدف الأول من الأهداف الإنمائية للألفية وهو خفض معدلات الفقر المدقع بمقدار النصف قبل الموعد المستهدف بخمسة أعوام. واستشرافا لآفاق المستقبل, فإننا نعتقد أن الظروف مهيأة لاستمرار هذا الأداء الاقتصادي القوي, لكن ينبغي ألا نعتبر تحقيق معدلات نمو مرتفعة أمرا مسلما به. وفي الواقع, فإن نجاحات العقود المنصرمة وآفاق النمو الاقتصادي المواتية باطراد تتضافر لتتيح للبلدان النامية فرصة للمرة الأولي علي الإطلاق لإنهاء الفقر المدقع خلال جيل واحد. وواجبنا الآن أن نكون حريصين علي أن تقترن هذه الظروف المواتية بقرارات واعية لاغتنام هذه الفرصة التاريخية. وبإمكان العالم إنهاء الفقر المدقع بحلول عام2030, ويجب أن يساعد هذا الهدف ممكن التحقيق وإن كان طموحا علي إضفاء التوافق والشعور بالإلحاح والمثابرة علي جهودنا الجماعية لمكافحة الفقر. والالتزام بهذا الموعد المستهدف سيتطلب نموا قويا ومستقرا في بلدان العالم النامي, ولاسيما إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا. وسيتطلب اتباع سياسات لتعزيز الاشتمال والحيلولة دون زيادة التفاوتات الاجتماعية وضمان أن يؤدي النمو إلي تقليص أعداد الفقراء, بوسائل أهمها إيجاد فرص العمل. وسيتطلب تغييرات تنطوي علي تحويل جذري في الدول الهشة التي يعيش فيها نسبة متزايدة من فقراء العالم. وسيتطلب أيضا تفادي الصدمات المحتملة مثل الكوارث المناخية أو أزمة جديدة في الغذاء أو الوقود أو أزمة مالية أو التخفيف من حدة هذه الصدمات. ولن يكون الأمر هينا ميسورا, بل سيتطلب تحركا عالميا منسقا من الحكومات والمانحين والمجتمع المدني والقطاع الخاص. ولكن هل يساور أحدا في أي مكان شك في أن الجائزة تستحق العناء؟ ولا شك أن إحراز تقدم إنهاء الفقر المدقع يجب أن يكون سعيا متواصلا بمرور الزمن ولكل الأجيال المقبلة. ويجب أن نعزز الرخاء المشترك ونساعد المحرومين حتي لا يسقطوا مرة أخري في براثن الفقر. ومن الأمور الخطيرة أنه إذا لم يتخذ العالم خطوات جريئة الآن, فإن ارتفاع حرارة الأرض بدرجة مأساوية قد يكون نذيرا بضياع المكاسب التي تحققت. فتغير المناخ ليس مجرد مشكلة بيئية. فهو خطر جسيم علي التنمية الاقتصادية وجهود مكافحة الفقر. ونحن في مجموعة البنك الدولي لا نزعم أننا سنكون اللاعب الرئيسي في السعي لإنهاء الفقر. وإحراز تقدم نحو بلوغ هذا الهدف سيتوقف بصفة أساسية كما كان دائما علي تصرفات البلدان النامية. لكننا سنكون حاضرين لمد يد العون. وسنعمل مع شركائنا علي تبادل المعارف بشأن الحلول المتاحة لانهاء الفقر. وسنتابع ونراقب عن كثب التقدم المحرز نحو هذا الهدف ونقدم سنويا تقريرا عما تحقق وعما تبقي من فجوات. وسنستخدم قدرتنا علي جمع مختلف الأطراف والاقناع في تذكير واضعي السياسات والمجتمع الدولي دوما ما هي المكاسب والخسائر المحتملة. وإذا تحركنا اليوم فسوف تتاح لنا الفرصة لإيجاد عالم لأطفالنا لا تميزه التفاوتات الصارخة وإنما الفرص المتنامية. ويمكننا بل يجب علينا أن نعمل من أجل بناء عالم بلا فقر.