أثار قرار اللجنة التشريعية بمجلس الشوري بإلغاء الحظر الوارد علي استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات السياسية, جدلا فقهيا وسياسيا علي الساحة, في خطوة استبشرت بها الأحزاب ذات المرجعيات الدينية التي تتمتع بالأغلبية وتري أنها معبرة عن ارادة الناخبين, واستهجنتها التيارات السياسية المدنية, فمنهم من رأي أن الحظر السابق كان قيدا ضروريا للحفاظ علي النسيج الوطني والتفاعل الإيجابي بين المواطنين واختلافهم في برامج سياسية وحزبية تثري الحياة الوطنية, وأن إلغاء هذا الحظر في هذا التوقيت قد يؤدي الي تقسيم المجتمع إلي فئتين أو طائفتين علي أساس الدين, ويفتح الباب لاستخدام المساجد في الدعاية الانتخابية. وآخرون يرون أن السماح باستخدام الشعارات الدينية في الانتخابات جاء تعبيرا عن إرادة الناخبين الذين سبقوا أن صوتوا للأحزاب ذات المرجعية الدينية, وان تعريف الناخبين بمشروع النائب صاحب المرجعية الدينية جائز وفق ضوابط وشروط. مفهوم الشعار الديني ويري الدكتور عطية فياض, أستاذ الفقه جامعة الأزهر, أنه لابد من تحرير مفهوم الشعار الديني المقصود إباحته وكيفية استخدامه, فإذا كان المقصود بالشعار الديني هو تعريف الناخبين بالمشروع الذي يتقدم به المرشح ويشمل العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والفكرية, والتعريف بأن هذا البرنامج الانتخابي قائم علي مرجعية دينية فهذا جائز, أما إذا كان الشعار الديني الذي يتم استخدامه يؤدي للمشاكل ويؤجج الطائفية ويثير الخلافات بين المواطنين فهذا مرفوض سواء كان في الانتخابات أو في غير الانتخابات, ويضيف قائلا: الذي نخشي منه أن يؤدي استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات إلي مشكلات بين أبناء الوطن, ولذلك لا يصح أن يرفع المرشح لافتة ويطالب الناس بالتصويت له لأنه مسلم مثلا أو لأنه مسيحي,وهذا مرفوض ولا يصح أن يحدث, أما إذا كان برنامج المرشح يحمل بعض الشعارات الدينية التي توضح برنامجه الانتخابي علي أن هذا البرنامج ينطلق من مرجعية دينية لتحقيق إنجازات في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فهذا شئ طيب, لكن لابد أن تظل المساجد بعيدة عن الدعاية الانتخابية وألا ينحاز الإمام علي المنبر لأي فصيل سياسي. تجارة بالدين علي الجانب الآخر يري بعض العلماء أن استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات محرم لأنه من باب المتاجرة بالدين لتحقيق مصالح شخصية, وقال الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, إن الدين مبادئ وعقائد وأخلاق ومعاملات وسلوك, وليس شعارا يتخذه البعض للترويج أو التسويق لنفسه سياسيا, ولذا فإن اتخاذ الدين شعارا هو من قبيل اللعب والاستهزاء به, وقد نعي الله سبحانه علي الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا في الكثير من آيات القرآن الكريم, فقال تعالي:الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا, كما أن الله عز وجل ذم المنافقين وأنكر عليهم استهزاءهم بالدين, فقال سبحانه وتعالي في حق لعبهم واستهزائهم: ولين سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طآئفة منكم نعذب طآئفة بأنهم كانوا مجرمين, وكذلك قوله تعالي منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون. وما ورد من وعيد في الآيات السابقة وذم لمن يفعل ذلك, واقع في حق من يستخدمون الشعارات الدينية لهذا الترويج السياسي لأنفسهم, ولم يحدث في تاريخ سلف الأمة أن استخدم أحد الدين للترويج أو التسويق لنفسه, ليتولي ولاية عامة أوخاصة, بل المأثور أنهم تركوا للناس حق اختيارهم دون تأثير عليهم بالدعايات الفجة أو التي يستعمل فيها الدين, كما ان موافقة مجلس الشوري علي استخدام هذه الشعارات ليست صكا لمن يريد استخدامها, فليس هذا المجلس جهة فتوي في الدين. فتنة واحتقان كما يري الشيخ عبد الحميد الأطرش, رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر, أن استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات مرفوض لأنه يؤدي للفتنة والفرقة وينشر الاحتقان بين أبناء الوطن, لأن هناك الكثير من المرشحين يتسترون وراء الشعارات الدينية, فالشعب المصري متدين بالفطرة, وملايين المواطنين ستخدعهم مثل هذه الشعارات التي لا تعبر عن الإسلام, لكن الهدف منها تحقيق مصالح وأغراض ومنافع شخصية, مشيرا إلي أن مصر بها ديانة أخري غير الإسلام وهي المسيحية وبالتالي ستكون هناك شعارات دينية يرفعها المرشح المسلم وشعارات دينية يرفعها المرشح المسيحي, وإذا كان هناك منافسة بين مرشح مسلم ومرشح مسيحي ستؤدي هذه الشعارات لفتنة طائفية, وكان يجب علي مجلس الشوري أن يبقي هذه المادة كما كانت في الماضي, لأن السماح باستخدام الشعارات الدينية سيجعل دور العبادة تدخل طرفا في الدعاية الإنتخابية وهذا مرفوض ومحرم شرعا. وأشار إلي أن جميع القوي والتيارات السياسية كانت تطالب في جميع الانتخابات السابقة بأن تظل المساجد ودور العبادة علي الحياد في الانتخابات, لكن هذا التعديل أطاح بكل الضوابط التي كنا نطالب الدعاة وخطباء المساجد بضرورة الالتزام بها, لأن الداعية لابد أن يقف علي الحياد وألا ينحاز لفصيل سياسي علي حساب آخر,وأن تكون المساجد للدعوة ونشر الثقافة الإسلامية وجمع الناس علي كلمة الحق, كما أن استخدام المنابر في الدعاية الانتخابية له آثار سلبية علي الدعوة, والفترة الماضية شهدت الكثير من الأزمات نتيجة عدم التزام الدعاة وخطباء المساجد بهذه الضوابط ووصل الأمر لحالة نزاع وخلاف مستمر بين الأئمة والمصلين لدرجة وصلت لمنع الأئمة من صعود المنابر بل ومحاصرة أحد المساجد.