ليس من شأن من ذهبوا أن يعودوا ولا أن يسودوا وليس لأحفادهم في الصدارة, غير الهشاشة فوق بلاط السباق .... أسد بن الفرات: سقطت جزر البحر من بعده, في يد الروم وانحل حبل الموازين في قبضة الأمراء وكما دخل الفاتحون القدامي صقلية خرجوا وتكسر في صخب الموج فقه القضاء ولم يتبق سوي شارع باسمه, في ضواحي المدينة, تزهو به الفتيات, ومنتجع للصلاة, ومقهي علي جانبيه من الأبنوس المموه, يقصده السائحون وترتاده العائلات ومضي' أسد بن الفرات' .... طارق بن زياد: سقطت بعده بمئات السنين الجزيرة ومحاسن أهل الجزيرة وهوي ثمر من زمان العمائم, في قبضة القبعات وانطفا بارق للحضارة, كان أضاء حوائط قرطبة بالمرايا, ورصع ليلاتها بالنجوم وأسدلت الريح أغصانها, فوق وجه التخوم وكما ركب البحر أجناده, غادر البر أحفاده, لتغوص توابيتهم في قرارة ليل المحيط, ولم يتبق سوي جبل باسمه, فوق سطح المضيق, وبعض معاهد مشفوعة باسمه, في نواحي البلاد وفريق بأرض الملاعب يجري, وراء الكرات ومضي' طارق بن زياد' .... أسامة بن منقذ: الجياد علي ساحل الشام, كانت تراقص موج البحار, وتغسل أعرافها من دماء الفرنجة, بين صفير الرياح, إلي أن تسلق حيطان عكة, ضوء النهار وتطهر سور البراق ووجه المغارة وكما غسل الشهداء القدامي محاريبهم, وأضاءوا المنارة دهس الغاصبون المحاريب, وابتلعوا الجامع العمري, وساحة كنعان, والأفق المقدسي, وشدوا الحزام علي باب حطين, واقتبعوا الزرع والطين, واكتحلوا بالحروب الدعارة, واهتزت الأرض, من فرط ما ابتليت بالفجور, ولم يتبق سوي صبية, يمنعون مواريث أجدادهم بالحجارة, لم يتبق سوي كتب يتداولها الفاحصون, ويختصها الباحثون, ويندهش الشعراء لها, وخرائط لا يعرفون الوصول, إلي مطلع البيت فيها, ولا يملكون الصعود علي السلم العمري, دخولا لبيت القصيد, ولم يتبق سوي سيفه تحت سور البراق, وبئر معطلة في الحقول, وحدوة بغل, معلقة فوق باب الوليد ومضي منقذ, وعلي إثره كل يوم شهيد! .... آخر ملوك مصر: شطب العسكريون أسماءه, واسم أجداده من ملفات مصر, ومن مضبطات دواوينها, من ميادينها ومن الكتب المدرسية فيها, وشالوا سنابله من فدادين مصر الخصيبة, شالوا مناديله الملكية, من شرفات العساكر وكما ملك القطر أجداده, انتزع الملك أنداده, وتبدل قصر بكوخ, وملك بملك, وعرش البلاد تحول عود منابر ورأينا الممالك وهو تغيب, رأينا السلالات يمكن أن تختفي, والتواريخ يمكن أن تنمحي, بزعيق الحناجر أو يتلاشي أمام الأغاني نحاسية الصوت, موج القناطر وكما زانه عرشه, خانه نعشه, ومضي عن سواحل مصر أمير البحار, فهل ظلم الناس, أم ظلمته المقادر؟, وهل الدمع كان بعينيه, ومض ولاء لمملكة النيل, أم حسرة غلبت في المحاجر ومضي, ومضت حقبة من زمان الوجاهة, أو من زمان الشهادة والأبهات, وحرية الرأي, والصولجان, ولم يتبق سوي متحف باسمه, عند مدخل حلوان, يعرفه السائقون, وترتاح في ركنه العربات, وفي بهوه يتصايح صوت التلاميذ, في الرحلات وانمحي اسم فاروق.