خلال الفترة الماضية دفعت المستشفيات فاتورة الانفلات الأمني بعد أن اقتحمها الكثيرون لإدخال مرضاهم ومصابيهم بالقوة, حتي لو ألقوا المرضي الآخرين في الأرض.. وتعدي بعضهم علي الأطباء وأطقم التمريض بدعوي تأخرهم في تقديم الخدمة الطبية. من جانبهم, لم يستطع رجال الأمن في المستشفيات مواجهة موجات الهجوم الشرس لأنهم غير مدربين أو لتخوفهم من اتساع نطاق الانفلات الأمني فيزيد حجم الخسارة.. وهو ما استلزم طلب تدخل الشرطة العسكرية والاستعانة بشركات أمن خاصة.. في المقابل, فإن الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات تراجعت بفعل نقص المخصصات المالية, وفرض قيود علي نظام العلاج علي نفقة الدولة, الذي يشوبه فساد سجلت ملامحه دراسات علمية متخصصة ودفع ثمنه مرضي لا ذنب لهم إلا عدم امتلاك قدرة مالية علي تحمل نفقات العلاج. تحقيقات الأهرام تفتح الملف وتناقش أبعاده وترصد ملامحه وتطرح الحلول الممكنة للخروج من أزمة الانفلات الأمني, ونقص الخدمات الطبية في المستشفيات. مديرو المستشفيات: صورة الأطباء اهتزت! الأطباء مهددون داخل المستشفي وفي بيوتهم ولا أحد يحميهم تحقيق:أشرف شوبك الطب مهنة مقدسة لانها تمس أرواح البشر, واحترامها واجب حتي يتمكن الأطباء من اداء أعمالهم بشكل جيد لكن أعمال البلطجة التي يتعرض لها بعض المستشفيات خلال الفترة الماضية واحدة من الأسباب التي تهدد المنظومة الصحية ولعل المستشفيات بتلك الافعال تشهد نقيضين هما القيام بعمليات تهديد لحياة مريض بهدف انقاذ حياة آخر. في البداية يقول الدكتور وجدي فوزي محمد استشاري جراحة العظام ومساعد مدير مستشفي المنيرة العام ان عمليات البلطجة حاليا لم تعد مقصورة علي أقارب وأهالي المرضي بل اصبح يمارسها المرضي أنفسهم! ويسرد فوزي واقعة تعرض لها يوم الاثنين الماضي فيقول: أثناء مروري علي المرضي بالعنابر طلب أحدهم إدراج اسمه ضمن المقرر إجراء عمليات جراحية لهم في اليوم التالي وبمجرد ان حاولت توضيح الأمر, و أن هناك قائمة للعمليات يجب الالتزام بها وتم ترتيبها وفقا للأولويات منها حالة المريض وتاريخ دخوله المستشفي قام علي الفور بقذفي بكوب الشاي مما كاد يصيب احد المرضي الآخرين. ويقول الدكتور وجدي: علي الرغم من قيامي بعمل محضر ضده بنقطة شرطة المستشفي برقم3 أحوال فإنه لم يتخذ أي إجراء قانوني ضده حتي الآن ولايزال موجودا بالمستشفي ويتعمد استفزازي امام المرضي.ويضيف ان تلك الأفعال تنتقص من شخصية الطبيب أمام المرضي مما يعد معوقا له عن اداء عمله بالإضافة إلي الحالة النفسية التي يتعرض لها الأطباء في مثل هذه المواقف. تهديد الأطباء ويؤكد الدكتور ميلاد إسماعيل أبو بكر, مدير مستشفي منشية البكري ان معظم حالات البلطجة ترتكب خلال الفترات المسائية, حيث يتوافر نهارا عدد كبير من الأطباء وأفراد الأمن, كما يحدث ذلك مساء وذلك تزامنا مع تناول البعض للمواد المخدرة مما يسبب الإصابات, ولهذا تقرر عمل الأطباء الرجال ليلا لحماية الطبيبات. ويوضح ان البلطجة يرتكبها بعض المرضي بسبب رغبتهم في الحصول علي نوعية من الخدمات الصحية قد تكون غير متوافرة بالمستشفي, كما ان من يترددون علي المستشفيات العامة لديهم مستوي أخلاقي وثقافي متواضع وتأتي المشكلة إما من طلب غير منطقي يطالب به المريض أو مرافقوه أو طلب خدمات غير موجودة بالمستشفيات, مشيرا إلي ان هناك عددا من الأطباء تم تهديدهم في منازلهم مما اجبرهم علي الانتقال من محال اقامتهم بأسرهم وهو ماأثر في الكثير منهم إنسانيا وعن تأثير أعمال البلطجة في المستشفيات علي عملية الخدمات الصحية يؤكد ان ذلك له تأثير سلبي علي الأطباء, ويتساءل كيف يؤدي الطبيب عمله مع انعدام عنصر الأمن؟ مشيرا إلي أن هناك حالات يعمل فيها الطبيب تحت تهديد السلاح ومع ذلك نبذل الكثير من المجهود لمحاولة اداء الخدمة بالشكل المقبول فهي مهنة إنسانية في المقام الأول. حالة رعب أما الدكتور سيد غزالة مدير عام مستشفي بولاق العام فيؤكد ان بعض الأطباء يؤدون عملهم وهم في حالة رعب بسبب مايتعرضون له خلال الأيام الحالية, حتي أنها قد تصل في بعض الأوقات إلي قيام الطبيب بخياطةجرح لاحد الاشخاص وحوله8 افراد من اسرته في نفس غرفة العلاج, وعلي الرغم من الوجود الأمني بالمستشفي إلا أن الأهالي يصرون علي مرافقة المريض أو المصاب حتي غرف الكشف. ويوضح ان حل تلك المشكلة يحتاج إلي دور الإعلام في تثقيف الشعب وتوضيح ان الطبيب يمارس مهمة إنسانية, ولابد من توفير جو مناسب لادائها لانقاذ المرضي ويشير إلي أن بعض الجهات الحكومية تخضع الأطباء للتحقيق إذا تقدم احد الأفراد بشكوي دون وجه حق خاصة خلال الفترة الحالية. ويقول: هناك أفعال يرتكبها بعض الأشخاص في المستشفيات ليس لها علاقة بالحصول علي حقوقهم, ومنها علي سبيل المثال قيام بعضهم بالحجز في العيادات الخارجية في أكثر من تخصص في اليوم نفسه الباطنة والعظام والرمد والعلاج الطبيعي وتثار المشاكل لإصراره علي الدخول قبل دوره في تلك العيادات وكذلك في صرف العلاج له, كما أصبح بعضهم غير ملتزم بقواعد المستشفي مثل ارتداء الجلباب الأبيض وقيام بعضهم بالتدخين داخل العنابر بل يصل الأمر أحيانا الي تناول مخدر البانجو وفي حالة قيام احد الأطباء أو طاقم التمريض بالتنبيه عليهم للامتناع عن ذلك يقومون بتوجيه السباب والشتائم لهم. أما الدكتور محمد مرعي مدير الشئون العلاجية بمستشفي الزهراء فيري ان هناك تحسنا خلال الفترة الراهنة من حيث أعمال البلطجة في المستشفيات, مشيرا إلي ضرورة توعي الناس بمهنة الطبيب وعلي الأطباء وطاقم التمريض محاولة امتصاص غضب الأفراد بالمستشفي. ويحذر مرعي من تأثيرات أعمال البلطجة والتي قد تدفع البعض للامتناع عن العمل, حيث لايمكنه اداء عمله تحت تهديد السلاح أو في حالة نفسية سيئة. ويقول: بعض أقسام المستشفيات العامة معروف أنها الأكثر ازدحاما ومنها النساء والولادة والحضانات ومن ثم لابد أن يستوعب طالب الخدمة العلاجية أهمية عدم تعطيل الأطباء وان يدعوهم ينجزون مهامهم. تطوير الاستقبال ويوضح الدكتور محمد مصطفي مدير مستشفي احمد ماهر ان أكثر الأماكن التي تقع فيها معظم أعمال البلطجة بالمستشفيات أقسام الاستقبال و الطوارئ ومن ثم يجب البدء في وضع خطط وفق اسس عملية ومهنية لتطويرها مما قد يؤدي الي القضاء علي جانب كبير من أسباب تلك الأفعال ولابد من وجود شبكة ربط بين المستشفيات أكثر تطورا و فعالية مما هي عليه الآن فليس من المنطقي أن تقوم سيارة إسعاف تحمل احد المرضي أو المصابين بالتنقل علي أكثر من مستشفي حتي تصل إلي مستشفي به الخدمة المناسبة للحالة التي تحملها. التعديات يومية ويذكر الدكتور أحمد سعد نائب مخ اعصاب بمستشفي قليوب الجديد أن التعدي اللفظي علي الأطباء من بعض المرضي وذويهم مستمر يوميا دون مبررات ويسرد واقعة تعرض لها خلال شهر أكتوبر الماضي حيث احضر بعض الأفراد مصابا بكسر في الجمجمة إثر حادث سيارة بينما كان يحاول احد الأطباء إجراء أشعة مقطعية حاول بعض اقاربه التهجم علي أطباء المستشفي بزعم انهم يهدرون الوقت بمايهدد حياة المصاب واصروا علي نقله إلي مستشفي آخر بسيارة الإسعاف وان يرافقهم احد الأطباء. ويقول: علي الرغم من ابلاغ الشرطة إلا أنهم يصلون دائما بعد مضي نحو3 أو4 ساعات علي وقت حدوث الواقعة, وقد فعل البلطجية ما ارادوا وغادروا المكان.