المرة الأخيرة التي زار فيها وزير خارجية أمريكي بورما-ميانمار حاليا- كانت في الخمسينيات من القرن الماضي, وكانت أونج سان سوتشي زعيمة المعارضة وقتها طفلة عمرها عشر سنوات. في هذا الإطار الزمني تأتي أهمية لقاء هيلاري كلينتون قبل أيام مع الرئيس المدني والجنرال السابق ثين سين والذي لا يمكن عزله عن التوجه الأمريكي للوجود المكثف في آسيا. فميانمار هي قطعة شطرنج مهمة في اللعبة الكبري الجديدة والصراع الأمريكي الصيني علي النفوذ في المنطقة باعتبارها حلقة وصل مهمة بين جنوب وشرق آسيا. اللقاء برغم أهميته ما كان يمكن أن يحدث إلا إذا كان يحقق مصلحة ما لكل طرف. الرئيس ثين سين سعي لانتزاع بصمة تضفي الشرعية علي نظامه, وتخرج بلاده من شرنقة الدول المارقة, ويقنع بها القادة العسكريين المهيمنين بأن خطواته الإصلاحية المتسارعة سواء باطلاق مائتين فقط من بين ألفي معتقل سياسي, وتخفيف القيود علي وسائل الإعلام, ورفع الحجز المنزلي عن أونج سان سوتشي له مردوده. وزعيمة المعارضة أيضا رأت في اللقاء وسيلتها الوحيدة لدفع النظام نحو تعميق الإصلاحات علي نحو يعزز فرص فوز الرابطة الوطنية للديمقراطية التي تتزعمها في انتخابات جزئية قررت خوضها في العام المقبل. وكلينتون رأت, ضمن أهداف أخري, في وضع العراقيل أمام تعاون كوريا الشمالية مع النظام المعزول في تطوير الصواريخ الباليستية وتكنولوجيا التسلح النووي هدفا يستحق العناء. توافق المصالح ليس كافيا لتسريع عملية إخراج ميانمار من قبضة العسكر. فالكثير تحقق بفضل العلاقة الكيميائية بين الرئيس الجديد وزعيمة المعارضة وهي مهددة بالتراجع في أي لحظة خاصة في ظل وجود جبهات للرفض داخل النخبة الحاكمة والمعارضة. ولهذا فقد جاءت نتائج اللقاء محدودة سواء باعطاء الضوء الأخضر الأمريكي للسماح لصندوق النقد والبنك الدوليين ببحث الاحتياجات الاقتصادية العاجلة, أو بالسعي لرفع التمثيل الدبلوماسي إلي مستوي السفراء. أما رفع العقوبات الغربية المفروضة منذ20 عاما فيرتهن بالتحول لنظام متعدد الأحزاب, وتحقيق مصالحة سياسية, ووقف عمليات قمع الأقليات العرقية, واتخاذ خطوات جادة للإصلاح الاقتصادي. الضامن الحقيقي للتحرك في الاتجاه الصحيح هو اقتناع من بيدهم السلطة أن بقاءهم مرتبط بأن تكون بلادهم جزءا من قصص النجاح الاقتصادي في رابطة جنوب شرق آسيا الذي لن يتحقق إلا بالالتحام مع العالم الخارجي, وأنهم يكسبون أكثر باللعب علي طرفي اللعبة الكبري وليس بالاعتماد المطلق علي طرف واحد فقط. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني