منذ عدة سنوات أتيح لي الالتقاء بأحد الكتاب السياسيين البارزين كان ذلك أثناء مناقشة بعض مواد الدستور, والشروع في تعديل المادة76 قبل إجراء الانتخابات التشريعية بعدة أسابيع. وقد بادرت متسائلا عن مغزي وجدوي وكيفية الإصلاح السياسي الذي يتحدثون عنه هذه الأيام, وأجاني باننا بحاجة ملحة الي الإصلاح الإداري أولا, حيث إن جميع مرافق مؤسسات الدولة أصبحت شبه مهترئة إداريا, الأمر الذي ينعكس أثره علي المجالات والأنشطة المجتمعية كافة وفي مقدمتها الاقتصاد والاستثمار, وها هي الأيام قد مرت بعد انتهاء دورتين لمجلس الشعب في إثر تعديل المادة76 الأولي مضت بسلام رغم تزوير الانتخابات الذي أقر به الجميع, أما الدورة الثانية فلم تهنأ بالانعقاد حيث قامت عقب افتتاحها ثورة شبابية أسقطت نظام الحكم بكل مؤسساته وقياداته ورموزه. لقد استبشرنا خيرا بثورة25 يناير السلمية التي صنعها مجموعة من الشباب توحدت أهدافها وتمثلت في المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية, معلنة رفضها للتزوير والتوريث, والحكم الشمولي الذي عانينا منه نحو ستين عاما. ولا يمكن لأحد أن ينكر أنه مهما تعثرنا بسبب فلول الحزب الوطني المنحل أو أذناب المسئولين الكبار نزلاء سجن طره, أو انطلاق البلطجية في شوارع المحروسة, وما نتج من انفلات أمني سرق الأمان والسكينة من عيون الصغار والكبار, لا يمكن لأحد أن ينكر أننا أفضل حالا مما كنا عليه قبل25 يناير سواء في الحصول علي مساحة كبيرة من الحرية, أو التعبير عن الرأي دون خوف, أو المساهمة بشكل أو آخر في الحياة السياسية الجديدة بأحزابها وائتلافاتها المختلفة والمتباينة, إلا أننا لم نشعر بعد بأن ثمة تغييرا جوهريا قد حدث في مؤسسات وهيئات الدولة المختلفة, وكأن الثورة لم تصل اليها بعد. فما زالت البيروقراطية تعشش في جنبات وأروقه هذه المؤسسات, وفي عقول موظفيها, ومديريها والقائمين عليها, حتي إن الكثيرين ممن كانوا يهللون فرحا بالثورة وبشائرها أصبحوا أسري للاكتئاب, والإحباط, والاستسلام أحيانا لسياسة الأمر الواقع التي نجح في ترسيخها نظام عقيم أعلي من قيمة وشأن أهل الثقة علي حساب أهل العلم والخبرة في كل المجالات. وقد عدت أدراجي الي هذا اللقاء الذي جمعني منذ عدة سنوات بذلك الكاتب البارز مسترجعا ما دار خلاله من آراء ومقترحات كانت تصب جميعها في إناء واحد يدعي الثورة الإدارية إن تقدم الأمم وازدهار الشعوب مرهون دائما بحسن إدارتها, وأجلي مثال علي ذلك استخدام مصطلح الإدارة الأمريكية في كل ما يتعلق بسياسات النظام الأمريكي. إن إرضاء الرئيس بأي موقع بمجتمعنا مهما كانت أخطاؤه وعثراته هو الغاية المثلي والهدف المنشود من أي حاشية أو زمرة تحيط به والتي يتم اختيارها من قبله بعناية فائقة لتحقيق هذا الهدف, بحيث تمارس الولاء المطلق للفرعون الصغير( رئيس الموقع) الذي يعد نموذجا مصغرا من الفرعون الكبير( رئيس الدولة). وبذا ينعدم ولاء العاملين بهذه المؤسسات شيئا فشيئا, ويقل مستوي الأداء وتؤجل أو تعطل مصالح المواطنين, ويترتب علي ذلك شيوع سلسلة من الانحرافات المتمثلة في المحسوبية والرشوة والتزوير وما الي ذلك. أتمني ونحن نرصد أخطاءنا السياسية في الماضي, والتي تفاقمت منذ قيام ثورة يوليو المجيدة, أن ننظر بعين الاعتبار الي ما وصلنا اليه من تخلف إداري, فلن يتم الإصلاح قبل أن نضع أيدينا علي جسم المشكلة التي تواجهنا, فنواجهها بالحلول العلمية والعملية, وليس بالنفاق والفهلوة ونشطب من قاموسنا الحديث عبارة كله تمام!