استخدم شكسبير شخصية المهرج الحكيم في رائعته الملك لير لينقل الآراء المعارضة بطريقة ذكية تضمن وصول الرسالة دون خطر علي حاملها.. ثم تعدد استخدام شخصية المهرج أو الأراجوز أو عبيط القرية في عشرات الأعمال الدرامية كشكل من اشكال الثورة المستترة خلف قناع الضحك.. وترصد مسرحية ضحكة الأراجوز سقوط حكم قراقوش عن طريق النكات التي ألفها الناس عنه وسخرية الأراجوز منه.. بل وتأليف احد وزرائه كتابا يروي حماقات ونوادر قراقوش المستبد ويريد المؤلف سليم كتشنر ان يشير الي نظام الرئيس المخلوع في حديثه عن قراقوش, ولعله أصاب عندما قدم قراقوش في صورة الحاكم الأبله الذي لا يعرف كيف يتصرف, ويريد فقط ان يستمر باقيا علي كرسي العرش, بينما يحكم بالفعل الحراس والتجار اصحاب المصالح.. قام بدور الحاكم الظالم قراقوش الممثل الشاب طارق شرف وهو طاقة كوميدية كبيرة, ولكنه يحتاج إلي التخلي عن فكرة ابتزاز الضحك من خلال تعليقات غير مهذبة وليتنا نعتبر ثورة الخامس والعشرين من يناير التي لم تشهد واقعة خروج واحدة عن الآداب العامة مثلا أعلي لتثور الفنون بأسرها, والمسارح بوجه خاص علي الضحك الرخيص الذي يتنافي مع قيم مجتمعنا. وقدم جلال عثمان شخصية التاجر الانتهازي الذي يحرك قراقوش مثلما يحرك لاعبو الأراجوز الدمي, وأجاد في رسم الشخصية دون مبالغة أو افتعال. كما ظهر حضور أحمد قنديل في دور قائد جند قراقوش ونموذج الاستبداد الصارخ.. أما ثلاثي فرقة الأراجوز المتجول وهم نجوم العرض, فقد تألقت الفنانة ناهد رشدي في تجسيد دور المرأة الثائرة صاحبة المواقف الإيجابية والتي تجوب الحواري والقري لتظهر في بابات الأراجوز حيل قراقوش وظلمه بصورة رمزية.. وفي نفس الوقت هي تعاني اختفاء ابنتها الوحيدة التي انخدعت بثراء ووجاهة التاجر المقرب من قراقوش فتزوجته دون موافقة أمها, ثم شعرت بالندم وعادت لتنحاز الي جانب أصحاب الحق الضعفاء وتنضم لفرقة الأراجوز المجاهد, وقامت الفنانة نشوي اسماعيل بدور هذه الابنة وأجادت فيه رغم صغر مساحة الدور.. وثاني أعضاء فرقة الأراجوز هو الممثل الشاب محمود الزيات الذي أدي برشاقة وخفة ظل علي المسرح ولكن ايضا ازدحام العمل بالشخصيات حال دون ظهور امكاناته. اما ثالث الأراجوزات وأخطرهم علي الملك الظالم فهو النجم الكوميدي منير مكرم الذي يتحمل مسئولية قيادة الضحك والحفاظ علي الإيقاع داخل العرض.. بقي أن نشير الي حسام عادل الذي لعب شخصية الثائر من العصر الحديث ويسافر الي زمن قراقوش. والحقيقة ان المؤلف سليم كتشنر يمتلك فكرة جيدة ولكنه أنهك المتفرجين بكثرة الشخصيات والقصص الفرعية التي لو تم حذفها لزادت سخونة الإيقاع ولأمكن متابعة القصة الأصلية والصراع الدائر بين قراقوش والأراجوز, وتحقيق متعة اكبر من المشاهدة. اما المخرج محمد سليم الذي يقدم أول عروضه فهو فنان مبدع ولديه حس عال ولكن يجب ان تكون لديه ايضا قدرة علي القيادة رغم صغر السن, والاصرار علي حذف مناطق التطويل في النص وتحجيم الممثلين حرصا عليهم وعلي العمل ككل.. وإذا كنا نغفر له هنات وأخطاء التجربة الأولي فإننا ننتظر منه في التجارب التالية عروضا اكثر جاذبية وأقل ترهلا مع الإصرار علي فرض وجهة نظره كمخرج أيا كانت اسماء النجوم المشاركة معه.. بقي أن نحيي الشاعر المبدع الدكتور مصطفي سليم علي أغانيه المعبرة والمكثفة لأحداث العرض والتي صاغ ألحانها محمد شحاتة.. والديكور البسيط والأنيق لصبحي عبد الجواد وأخيرا اصرار الفنان حمدي ابو العلا مدير المسرح علي تقديم العروض ذات الملمح التراثي وتحويل مسرح الغد إلي الفرقة القومية للعروض التراثية.. وإن كنا نري أن مسرح الغد المجهز لتقديم العروض الشبابية والتجريبية ليس هو المكان المثالي لفرقة التراث.. وعليه أن يجاهد للانتقال بمشروعه المهم الي خشبة مسرح أكبر تستوعب طبيعة العروض التراثية.. وهو ما نشجعه عليه علي اعتبار أن المستقبل الواعد يبدأ باحترام الماضي.