حقيقة لا حدود للفقر علي أي خريطة.. ولا علم رسمي ولا نشيد وطني لكن المظهر عنوانه في وجه عجوز ذات سبعين عاما خط الزمن أخاديد وسطر حكايات جوع وذل.. ونظارة مشروخة وملابس مهلهلة... إنها أم سعد التي فقدت وحيدها في الثورة.. كان عائلها وحبيبها وحائط ظهرها.. بحثت عنه في المستشفيات.. دخلت المشرحة كشفت وجوها تلاشت ملامحها لم تعثر علي سعد.. قالوا لها( أحتسبيه شهيدا) بكت والتف حولها الجيران وسرعان ما انفضوا.. جلست تحدث الجدران تبللها بدموعها محتضنة صورته ومرت ثلاثة أشهر لم تدفع إيجار شقتها الحجرة والصالة.. عجوز لا تقوي علي العمل. لم تجد قوتها.. صاحب المنزل أحد عراة الضمائر والنفوس هددها بالطرد لا تملك إلا الدموع.. حن أحد الشباب وكتب لها استغاثة لرئيس الحكومة( ما هما مسمينوه البسكوتة).. ذهبت للباب العالي لرد المظالم.. سلمت طلبها انتظرت بلا فائدة.. عادت اليوم الثاني وعلي التوالي وفي كل مرة إما أنه مسافر أو مشغول.. قالت لنفسها( بيسفروه علشان مايحلش مشكلتي..) رجعت لبيتها منعها المالك من الدخول.. ركعت تحت قدميه.. طلبت ملابس ابنها وصورته.. لم يجبها.. بكت وبكت.. عطف أحد الجيران عليها وباتت في مدخل البيت شملها الخوف وكساها الحزن. مع أول نور للصباح بين قطار ورصيف تنظر علي المجهول لعل الغائب يعود تترقب قدوم الوالي لينقذها بلا فائدة. لم يعد معها قرش.. أخدها أحد جدعان الحارة لمكتب رئيس مجلس الوزراء وتركها ومشي.. مرت الساعات وجاءها العسكري قائلا( قومي يا ست بدل ما تتحبسي وتدفعي01 آلاف جنيه غرامة). همهمت بأنين لنفسها دي مشكلتي تتحل ب003 جنيه عليه العوض.. جرت أرجلها المتورمة بضغوط الحياة تكاد تنفجر.. الدموع تكسو وجهها وقلبها ينزف دما جلست تستريح فأعطاها الكريم جنيها.. قررت الذهاب للسيدة نفيسة صاحبة الفرج.. صلت.. ابتهلت.. رجت الله.. ابتلاءات مذابة في كأس رضا وإيمان أم الشهيد. غربت الشمس وهي لا تري ليلا.. نامت بالشارع وعاودت الاتجاه لرد المظالم لكن بلا فائدة فهي بلا إيميل ولا عنوان علي النت كيف سيعثرون علي مثلها. سارت حتي حارتها استقبلها صاحب كشك السجائر وجعلها تنام كل ليلة بالكشك قبلت يديه وحمدت الله.. سمعت شبابا يوزعون سندوتشات فول سياسي.. أكلت وسمعت كلامهم في السياسة ولم تفهمه.. المهم أطعموا حلقها الذي جف ظلما وقسوة. واتجهت للسيدة نفيسة ثانية صلت وجلست تتأمل حالها وذلها وبكت ابنها واهتزت أوصالها.. أرتجف قلبها جنازة81 شهيدا.. صرخت ابني ابني وتحسست النعوش تتنسم رائحة ابنها.. قبلت الخشب انهارت أغمي عليها وحين أفاقت سألهارحيم عن عنوانها ليوصلها أجابته: (ماليش عنوان) تركها وانصرف.. لملمت آلامها وحزمت أحزانها ولم تهتم بسحابات الخير المتدفقة علي فقراء السيدة النفيسة لم تلتفت إلي طعام ولا مال. عادت إلي الكشك مرتعشة متآكلة المشاعر.. نامت.. في الصباح جاءها مبعوث لحل مشكلتها.. نادي عليها صاحب الكشك لم ترد.. لقد ماتت أم الشهيد