إن ما جري من يوم18 نوفمبر وحتي اليوم أسوأ من معركة الجمل ملايين المرات, ففي تلك المعركة سقط11 شهيدا, أما في هذه الأحداث فأكثر من40 شهيدا و6آلاف مصاب.. ثم ان مجرمي موقعة الجمل هم أركان النظام السابق, أما مجرمو المعركة الأخيرة فهم المفروض فيهم انهم من أنصار الثورة.. (1) تصور فقط أن كل الأزمة التي نحن فيها الآن سببها المباشر هو الرغبة في إنهاء اعتصام حوالي150 أو200 شخص من مصابي الثورة في ميدان التحرير واستخدم في ذلك عنف وقسوة مفرطة بلا داع وإحراق للخيام بحجة تسهيل حركة المرور وإعادة الحياة إلي طبيعتها في الميدان, فترتب علي ذلك أزمة ومظاهرات واحتجاجات تمتد من أسوان للاسكندرية وتوقف للحياة بشكل شبه كامل في البلد!! هل حسبها قادة المجلس العسكري؟ وحتي لو كان المعتصمون الأصليون بلطجية وهذا افتراض غير صحيح.. فهل ماحدث كان صائبا؟ تخيل المشهد الاستفزازي الذي يقوم أحد جنود القوات الخاصة أو الأمن المركزي بملابسه السوداء بسحب جثة شهيد شاب سحلا علي الأرض ثم إلقائها علي القمامة علي حافة الطوار!! هل هناك إنسان يقبل أن يتم التعامل مع أخيه أو ابنه أو أبيه بهذه الطريقة غير الآدمية؟ تصور كذلك مشهد الشابة السمراء التي جذبها الجنود من شعرها وألقوها علي الأرض وأهانوها وضربوها, هكذا!! من قال ذلك؟ من قال إن الأمن يستتب بهذه الطريقة؟! تصور أيضا تلك الكمية المذهلة من الغازات المسيلة للدموع, والرصاص المطاطي والخرطوش والرصاص الحي التي تستخدم ضد المحتجين؟ اعتقد وكما يقول الشباب في التحرير, إن مجرد عرض تسجيلات ماجري منذ يوم18 نوفمبر وحتي اليوم, يكفي لتبرئة مبارك وكل أركان حكمه!! (2) هل تتخيل أن الأزمة كلها كان يمكن حلها لو ان المشير في كلمته ليلة الثلاثاء الماضي قد بدأها باعتذار واضح وصريح عما جري من سقوط شهداء ومصابين, وأصدر قرارا بإحالة كل القادة المسئولين عما حدث إلي التحقيق الجنائي.. لو أنه فعل ذلك لشعر الناس بأنه يحترم آدميتهم وكرامتهم وحقهم في الحياة.. لكن للأسف لم يفعل.. ظل يتحدث عمن يريد أن يدس بين الشعب والقوات المسلحة.. والحقيقة أنه لاتوجد مشكلة أو قضية أبدا بين الإثنين, بل إن المشكلة الحقيقية هي بين الشعب وبين طريقة المجلس الأعلي في إدارة البلاد.. وهذا حقهم.. فالمجلس الأعلي يقوم بعمل سياسي عام من حق كل الناس أن تنتقده عندما لاتروق لهم افعاله.. الغريب في الأمر أن أعضاء المجلس قد اعتذروا بعد ذلك بيومين, ولكن بعد أن لم يعد لهذا الاعتذار أي قيمة أو مدلول. ولو أن المشير في تلك الليلة تحدث مباشرة عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني ذات صلاحيات وأن المجلس الأعلي سوف يتراجع عن مقدمة الصورة ويترك للحكومة الجديدة مهمة إدارة البلاد لأنها هي الأجدر بذلك, ماذا كان يحدث؟... ألم يكن هذا أفضل مئات المرات من ذلك الحديث المكرر عن أن المجلس الأعلي لايريد أن يحكم وليس من طلاب السلطة!! لقد ظل الناس ينتظرون الخطاب وكلهم ترقب, وفي النهاية جاء الخطاب أقل كثيرا من المتوقع.. إنه ذات الإسلوب القديم لمبارك في القيام بمبادرات متأخرة وعندما تأتي الاستجابة لمطالب الشارع تكون بعد فوات الأوان.. (3) بصراحة كأن ماحدث في التحرير تكرارلأحداث العباسية ومسرح البالون وماسبيرو والسفارة الإسرائيلية.. إستخدام البلطجية أو المندسين بطريقة تجعل أي مظاهرة سلمية عملية تخريب وإحراق وتدمير.. وكما جري في السابق.. فإن الأحداث يراد لها أن تمر دون تحقيق ودون أن يعرف الناس من المسئول عن ماذا؟! ماهي حكاية هذه النوعيات من الأسلحة التي تستخدم في شوارع مصر ضد الشعب المصري؟ ألم يكن من الطبيعي ان يتوقف تماما أي استخدام للغازات أو الخرطوش أو الرصاص الحي أو المطاطي علي المتظاهرين بعدما جري في أحداث ثورة يناير؟ هل من الطبيعي أن يجد المجلس الأعلي نفسه موضع إدانة من منظمة العفو الدولية عندما تقول إن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر أصبحت أسوأ مماكانت عليه في عهد مبارك؟ لماذا؟! المشكلة الحقيقية في مصر تكمن باختصار في الاعتقاد بوجود نوعين من البشر, أحدهما ممتاز ولد ليحكم ويستعبد ويتسلط, والآخر أقل من العادي من حق أهل الامتياز والحظوة أن يفعلوا به مايريدون.. وحتي ينتهي ذلك وتنشأ مساواة حقيقية سوف نظل نعاني من نقص وانعدام كفاءة الحكام الحاليين في إدارة البلاد.. فالحقيقة أن نظام مبارك كان أكفأ بكثير للأسف الشديد.. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن