لا توجد امرأة مصرية تقبل أي وثيقة تتناقض مع مبادئ وقيم وحضارة دينها وبلدها.. ولو وجد في وثيقة الأممالمتحدة للمرأة مواد تتعارض فستأخذ فقط ما يتوافق مع قيمها ومبادئها, وهذا ما وجدته في موقف المجلس القومي للمرأة ورئيسته السفيرة المحترمة ميرفت التلاوي, وفيما أدلت به وأكدته في تصريحاتها, ردا علي الهجوم علي الوثيقة, واتفق معها في ما ذهب إليه الهجوم من ترويج لصور مؤسفة تسيء لصحيح الإسلام والمكانة التي أنزلها للمرأة, واسأل المعترضين والمهاجمين, هل الإسلام يحث علي ممارسة أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة, هل الإسلام يناهض تعليمها, هل يسمح بإغراقها في العجز والفشل والفقر والعوز وبأي شكل من أشكال التمييز ضدها؟!, وهل يسمح الإسلام بممارسة التحرش ضد المرأة وهل تكون المقاومة بقوانين وعقوبات رادعة أم بحبسها وعزلها حماية لها من تحرش مرضي ومنفلتين أو مأجورين ومدفوع لهم بوهم إمكان إرهاب النساء, كما حدث في ميدان التحرير؟!! المعركة التي يخوضونها ضد وثيقة المرأة أبعد من الوثيقة, وبدأت قبلها, فهي معركة مع الوجود الفاعل والمحترم والمؤثر للنساء اللائي مثلن نقطة ارتكاز أساسية في ثورة52 يناير سواء كشريك في جميع فاعليات وأحداث الثورة, وفي استمراريتها وفي الصلابة اللائي كشفن عنها, خاصة جيل من الأمهات هن الصانعات الحقيقيات لأجيال مدهشة من الثوار, عادت النساء المصريات يقدمن حلقة جديدة من حلقات المقاومة وأنهن كما كن دائما أخطر وأقوي أعمدة قوة الدولة المصرية كما يعرف كل قارئ للتاريخ وأن محاولات كسر ارادتهن وحرمانهن معاملات وعناصر القدرة في مقدمة مخططات التمكين والسيطرة التي يسعي إليها العاجزون عن الحصول علي هذا التمكين من خلال احترام سيادة وإرادة وإطلاق طاقات جميع العناصر المكونة لأي أمة, لذلك كان تعليم المرأة وتحرير إرادتها وخروجها للعمل ودخولها شريكا أصيلا في منظومة التعمير والتنمية مرفوضا رفضا قاطعا من جميع غزاة مصر, بمختلف أشكالهم, ولا أنسي تصريحا للمندوب السامي البريطاني كتبه في وثيقة أرسلها إلي بلاده عن العقبات التي تهدد استمرارهم واستقرارهم في مصر, قال فيها إن الاستمرار والاستقرار يري أنهما من المستحيلات في بلد فيه هذا النوع من النساء!!, بل تاريخ غضب وخوف المحتلين من نساء مصر يظهر في وثيقة تاريخية تعود الي عهد الاحتلال البطلمي222 ق.م فعندما أحس البطالمة أن وجودهم في مصر أصبح مهددا لجأوا الي إصدار قانون تصوروا أنه يستطيع أن يفرض استسلام المصريين لهم, كانت خلاصة القانون شل وإضعاف دور ووجود وقيمة المرأة في حياة المصريين!! هل درجات التعصب التي أصابت البعض من وثيقة المرأة هو ما جاء فيها من تعريف واسع وشامل للعنف ضدها, والذي لا يقف عند حدود التحرش والاغتصاب ويضيف ما لا يقل خطورة علي تمكينها في الحياة كحرمانها من التعليم والعمل أو ختان الإناث أو زواج القاصرات, وما ضمته الوثيقة من تغليظ للعقوبات علي العنف بكل أشكاله وألوانه, ومنع العفو عن مرتكبه وتشجيع النساء للاحتكام للعدالة والحصول علي الدعم القانوني؟! ما يدعيه البعض ويضللون به الوعي من مواد تتعلق بما يناقض قيمنا وأخلاقنا, كحريات جنسية وإجهاض وشذوذ, تقول رئيس المجلس القومي للمرأة, إن الدول النامية والإسلامية ضغطت ونجحت في إسقاط هذه المواد, ولو لم استمع منها وينقل عنها هذه التصريحات لكنت واثقة من اتخاذها ووفد المجلس القومي الموقف الذي عليه عليهن تراث حضارتهن وقيمهن وعقائدهن وموروث ألم ومعاناة وصبر واحتمال المرأة المصرية. يا سادة, قيم المرأة المصرية التي حفظتها وحافظت عليها عبر تاريخها الطويل والعميق وايمانيتها وتكوينها حائط صد صلبا لا تستطيع أن تتعداه أو تعتدي عليه أو تخترقه أي وثيقة ولو كان بها شطط, بمثل ما لن تستطيع أن تمس أو تضعف هذا العمود الفقري العظيم والتاريخي للمرأة المصرية من الصلابة والمشاركة في صناعة وإنجاح جميع حلقات البناء والمقاومة, أي فكر مختلف ومتخلف لا علاقة له بحضارة واستنارة وايمانية عميقة تشكل ملامحها الأصيلة العقلية والروحية والفطرية منذ فجر تاريخها. في وثيقة الأممالمتحدة للمرأة, وما يحدث حولها والصراع المعلن والخفي وفي جميع ما يحدث في مصر الآن, سياسيا واجتماعيا وانسانيا.. يبدو لي فيه بعد من أخطر أبعاد المحن والكوارث التي يعيشها المصريون, ان بلادهم تواجه محنة عقول وفكر غريب ومغيب عن حضارتها وتاريخها, وفاقد للقدرة علي استلهامهم والتواصل معهم, وبدوافع الخوف والاضطراب والفشل يوغل أكثر وأبعد في صناعة وتوفير أسباب غضب الملايين في مشاهد عبثية لقلب مصر يتفجر بملايين من أبنائها يجدفون في كل اتجاه بحثا عن الإنقاذ بعد أن فقدوا البوصلة الهادية للتوجه والعمل والاطمئنان والثقة في يومهم وفي غدهم, وخصم يتزايد كل يوم من أرصدة الحضارة والتاريخ والثقافة ومخزون القيم والقدرات البشرية والثروات الطبيعية, وبما يجعل معركة وثيقة المرأة المثارة الآن جزءا من محنة ومعركة وطن يواجه مأزقا واختبارا وتحديات من أقسي ما عرف في تاريخه.. ولكنه أيضا تاريخه الذي يؤكد أنه ما من محنة لم يستطع أن يتجاوزها.. ويصبر. لن تستطيع وثيقة أو منظمة دولية أن تفرض علي المرأة المصرية ما يختلف مع قيمها.. وأيضا هذه القيم تفرض إدانة ما يتزايد الآن من محاولات لإقصائها وتهميش دورها ومكانتها ورؤي متخلفة عن صحيح الدين والمنزلة التي أنزلها لها.. وقد كشفت مجموعة من الدراسات والاستقصاءات الحديثة عن تراجع أوضاعها الي الأسوأ بعد ثورة يناير, وأن عام2102, شهد علاوة علي تزايد الفقر واحساسها تماما بافتقاد الأمان المادي وعدم توافر فرص العمل لهن ولأبنائهن, شهد أيضا استمرار العنف ضد المرأة, من عنف منزلي وتحرش جنسي وتزويج الصغيرات, وبرغم ارتفاع نسب تصويت المرأة في الانتخابات, بلغت في الانتخابات الرئاسية27% و95% في الانتخابات البرلمانية الأخيرة, فالفجوة واسعة بين هذه المشاركة وبين ما يتحقق لها علي الأرض وبين معطيات ما تعيش وتعاني اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وانسانيا وثقافيا ورؤي تجهل تاريخهن وحلقات نضالهن ومشاركاتهن الأصيلة في الصناعات الثقيلة سواء لبناء الوطن أو لبناء البشر. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد