أكد الدكتور عباس شراقي, أستاذ الجيولوجيا الاقتصادية بجامعة القاهرة أنه لا داعي للذعر بشأن السدود التي تقيمها إثيوبيا, لأن طبيعة الأراضي الإثيوبية لا تصلح لإقامة سدود كبري, ودعا إلي إستمرار التعاون المشترك بين دول حوض النيل بعيدا عن الإبتزاز السياسي. وأوضح شراقي أن إثيوبيا هي عبارة عن هضبة مرتفعة, صعبة التضاريس حيث تصل أعلي نقطة بها إلي4620 مترا فوق سطح البحر وأقل نقطة-.122 وعلي الرغم من أن إثيوبيا تملك9 أنهار كبيرة, وأكثر من40 بحيرة بينها بحيرة تانا, فإن نصيب الفرد السنوي فيها من المياه المخزنة يصل إلي83 مترا مكعبا فقط( مقابل700 متر مكعب للفرد في مصر), بخلاف نصيبه من مياه الأمطار التي يصل مقدارها سنويا علي إثيوبيا إلي639 مليار مترا مكعبا, يتبخر80%منها بسبب المناخ المداري وارتفاع درجة الحرارة, وتعد إثيوبيا الدولة الوحيدة في الحوض التي لا تستقبل أي مياه من خارج أراضيها. وبعد انتهاء الحرب الأهلية في إثيوبيا تتجه أنظار الحكومة إلي التنمية الداخلية مما جعلها تفكر في مياه النيل. وقال شراقي إن إثيوبيا تعاني من العديد من المعوقات الطبيعية التي تواجهها عند إقامة مشروعات تنموية سواء كانت مائية أو زراعية, أهمها: التوزيع الزمني غير المتجانس للأمطار, حيث تهطل الأمطار في فصل واحد فقط وقصير( يونيو ويوليو وأغسطس), وبالتالي فإن الزراعة المطرية في إثيوبيا تتم في موسم واحد فقط وهو موسم المطر بينما الزراعة المروية لا تشكل سوي3% فقط من الزراعات الإثيوبية. وأيضا التوزيع الجغرافي غير المتجانس أيضا لسقوط الأمطار, التي تتركز غرب وجنوب إثيوبيا بينما الشرق وخاصة مثلث عفار يعاني ندرة المياه, علاوة علي ارتفاع معدل البخر الذي يصل متوسطه إلي87% رغم ارتفاع الأراضي الإثيوبية عن سطح البحر, وصعوبة التضاريس, حيث الانحدارات الشديدة(1-2%) والأودية الضيقة العميقة. وقال: إن نوع الصخور يلعب أيضا دورا سلبيا بالنسبة لمشروعات تخزين المياه في إثيوبيا, إذ تشكل الصخور الصلبة نحو75% من مساحة السطح, أما ال52% المتبقية فأغلبها صخور رسوبية جيرية متشققة, وبالتالي صخور غير مناسبة لتكوين خزانات مائية سواء كانت سطحية أو جوفية. ولقد تم إنشاء نحو70 سدا صغيرا في شمالي إثيوبيا( حوض نهر عطبرة) خلال الخمسة عشر عاما الماضية, فشل منها45 سدا في القيام بغرض الإنشاء لأسباب جيولوجية وجيوتكنيكية بنسبة70%. ولم تتأثر مياه النيل بهذه الخزانات بل شهدت بحيرة ناصر أعلي منسوب لها(178 مترا) في أكتوبر1998 ودخول المياه إلي منخفضات توشكي بكمية تتعدي ال25 مليار متر مكعب وتكوين ما يعرف ببحيرات توشكي التي مايزال بعضها حتي الآن. وأشار إلي أن سد جيبي2 الذي افتتحته إثيوبيا( علي نهر أومو المتجه إلي بحيرة توركانا كينيا, وهو خارج حوض نهر النيل) وبعد مرور احد عشر يوما فقط ومع أول فيضان تم تدمير جزء كبير من النفق الخاص به نتيجة ارتطام كتل صخرية به, ويجري الآن إصلاحه الذي سوف يستغرق أكثر من6 أشهر. وأضاف أن التعرية الشديدة للصخور وما يصحبها من إطماء, حيث يصل المتوسط السنوي لكمية الطمي المنقولة إلي أكثر من12 طنا للفدان, وقد تسبب هذا الإطماء في خفض السعة التخزينية للسدود السودانية المنشاة علي الأنهار النابعة من الأراضي الإثيوبية بنسبة50 إلي75%, فماذا عن السدود التي تنشأ داخل الأراضي الأثيوبية؟ السعة التخزينية للسد العالي لم تتأثر كثيرا( نحو2% خلال الأربعين سنة الأخيرة) ويرجع ذلك إلي السدود الإثيوبية والسودانية التي تحجز معظم الطمي قبل أن يصل إلي السد العالي. وبحيرة تانا التي هي أكبر بحيرة في إثيوبيا ومنبع النيل الأزرق يصل سمك الرواسب بها إلي100 متر, علما بأن متوسط عمق المياه في البحيرة8-9 أمتار, مشيرا إلي نوعية المياه التي ترتفع درجة ملوحتها في المنطقة الأخدودية المنخفضة في وسط إثيوبيا بسبب البخر الشديد وقلة الأمطار. وشدة الفيضانات نتيجة الأمطار الغزيرة والانحدارات الشديدة. وكثرة الزلازل نتيجة مرور الأخدود الافريقي بإثيوبيا, الذي يقسمها نصفين وكذلك كثرة الفوالق والتشققات في الصخور الإثيوبية, مما يسبب عائقا كبيرا في إنشاء السدود من الناحية الهندسية, والتصحر في أماكن كثيرة في إثيوبيا لأسباب طبيعية أو بشرية. ويري شراقي أن المشكلة الحالية تكمن في أن إثيوبيا تعاني بالفعل نقصا شديدا في المياه وهي أكثر دول الحوض معاناة من نقص المياه رغم أنها المساهم الرئيسي في مياه النيل. كما أن طبيعة الأراضي الإثيوبية لا تصلح لإقامة سدود كبري لتخزين المياه مهما تكن التكنولوجيا المستخدمة, وإذا افترضنا ذلك.. فكيف يتم نقل المياه المخزنة إلي المناطق وعرة التضاريس.. ويري الدكتور شراقي أنه بالتالي لا داعي للذعر الذي تسببت فيه بعض وسائل الاعلام في الفترة الأخيرة. وفي نفس الوقت فإن المشكلة ليست هينة, وهناك تصدع حقيقي في علاقة مصر بدول الحوض. وبناء علي هذه الحقائق يأتي تعامل مصر مع إثيوبيا وبقية دول حوض النيل مبنيا علي روح الأخوة الافريقية والتعاون المشترك. وأن يستمر دور مصر في التعاون وتقديم يد العون والمساعدة للدول الأفريقية وخاصة دول حوض النيل, ليس في مجال تنمية الموارد المائية فقط, بل في شتي المجالات الأخري مثل التعليم والزراعة التجارة والصناعة وغيرها. ومفتاح الحل للأزمة الحالية يبدأ من إثيوبيا وإعطائها الأولوية عند إقامة مشروعات مائية في دول الحوض. وتعد اثيوبيا من الدول التي بها أدني معدلات الحصول علي الكهرباء في العالم, حيث تصل جملة ما تنتجه اثيوبيا أقل من1000 ميجا وات(80% من الإثيوبيين يعيشون دون كهرباء). ويؤكد الدكتور شراقي أنه لن يؤثر علي حصة مصر والسودان أن تقام بعض المشروعات المائية الصغيرة التي تتناسب مع الظروف الطبيعية الإثيوبية لتوليد الكهرباء للاستفادة من المناطق شديدة الانحدار, أو لإقامة بعض المشروعات الزراعية المطرية أو المروية التي في الأغلب ستكون محدودة المساحات نظرا للطبيعة الجيولوجية والتضاريسية الصعبة.