عندما يتطلع المرء إلي بعض ما يجري في الشارع المصري لا يجد مبررا كافيا لمن يريدون دفع الأمور باتجاه المواجهة بدلا من الحوار, لأن كل العناوين المطروحة قابلة للنقاش وقابلة للتعاطي معها وفق أجندات وطنية خالصة لا تغيب عنها ركائز الأمن والاستقرار أو حسابات الحذر والتدرج الواجب الأخذ بها, قياسا علي معطيات كثيرة تتعلق بدرجة التطور الاجتماعي والنمو الاقتصادي والوعي السياسي والبنيان القانوني والدستوري! إن من غير المعقول بل ومن غير المفهوم أن يغيب عن معظم القوي السياسية ذلك الفارق بين ضرورات الفهم الصحيح والإدراك الكامل لحق التعبير عن المطالب المشروعة, وبين ضرورات الوعي بأبعاد المرحلة الراهنة علي المستويات المحلية والإقليمية والدولية, وما تحمله الرياح من مؤشرات خطيرة بدأت طلائعها تفرز مصاعب وتحديات غير مسبوقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. ولعل ذلك ما يدفعني إلي المطالبة بأن نتسلح جميعا بأقصي درجات الوعي لأهمية تسريع خطوات التحول الديمقراطي وتقصير زمن الفترة الانتقالية! إنني أدعو إلي نقطة بداية لوقف كل مفردات الخطاب السياسي والإعلامي غير المسئول الذي يستسهل اتهام الرأي الآخر بتهم لا ينبغي أن ترد في أي قاموس نظيف للعمل السياسي والتي لم يعد لها وجود في الدول الديمقراطية. إن مصر ليست ملكا لشرائح بعينها أو لفئات دون غيرها وإنما هي ملك للجميع.. ملك لمن هم في الحكم ولمن هم في المعارضة, ولكن بشرط أن يخضع الجميع لأحكام الدستور والقانون, وأن يكون الهدف والغاية هو المصلحة العليا قبل أي مصالح حزبية أو فئوية! وليس هناك تحول حقيقي لبناء ديمقراطي يمكن له أن يبقي وأن يدوم إلا إذا كان تعبيرا عن توافق وطني عام ينطلق من حوار جاد ندخل إليه جميعا دون أن يحمل أحد تحت إبطه أي أسلحة فاسدة ومفسدة من أسلحة التناحر والتنابذ والصراع التي تسمم الأجواء وتؤدي إلي لدد في الخصومة بين أبناء الوطن الواحد الذين ينبغي عليهم ألا تكون لهم خصومة إلا مع أعداء الوطن والطامعين فيه! إن حق الإضراب والتظاهر حق ديمقراطي أصيل ولكن استمرار تصعيد المواجهات الساخنة في الشوارع وإطلاق المظاهرات- دون مبرر- ليس من الديمقراطية الصحيحة ولا يخدم هدف تقصير زمن الفترة الانتقالية وإنما يؤدي إلي بذر بذور الفتنة وتعطيل برامج التنمية وتوفير صورة من صور عدم الاستقرار التي تبرر المزيد من الضغوط والمزيد من مبررات التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية بمسميات خادعة وأردية زائفة. وظني أن الوعي الجمعي لجميع القوي السياسية لديه خط أحمر اسمه أمن واستقرار هذا الوطن! خير الكلام: نشوة النصر وفتنة الغرور قد تهدم في ساعة ما بنيناه في أعوام! [email protected]