كان لي صديق يفخر دائما بأنه لا يوجد مجلس في مصر تظهر فيه كلمة الأعلي أو الوطني إلا وكان عضوا فيه. وللحق كثيرا ما حسدته علي مشاركته في تنظيم ما يأخذ مصر إلي أعلي, أو يعقد فيه لواء الوطنية بشكل أو بآخر. وأخيرا أتيحت لي الفرصة لكي أكون عضوا في بعض منها, ولم يمض وقت طويل حتي أكتشف أن هذه المجالس صورية في أغلبها, ولا يستطيع فرد عاقل إلا أن يقول كلمته فيها ويمضي. وكانت كلمتي دائما ما هو الغرض من المجلس, وكثيرا لم أجد إلا إجابات بيروقراطية عن لائحة مؤسسية تذكرك بأن عهد الاتحاد الاشتراكي العربي لا يزال قائما. ولكن مجلسا واحدا كان مؤلما للغاية وهو المجلس الأعلي للصحافة الذي أصبحت فيه كنتيجة لوجودي رئيسا لمجلس إدارة الأهرام. وكان مصدر الألم هو أنني من ناحية كنت أريد تحرير الأهرام كمؤسسة وصحيفة وإصدارات من أسر الدولة ماليا واقتصاديا وسياسيا أيضا, ومن ناحية أخري كان الوجود في المجلس هو التعبير الكامل عن أسر الصحف القومية في قفص يصعب الخروج منه. تذكرت كل ذلك مع التشكيل الجديد للمجلس الأعلي للصحافة, وكما هي العادة كان فيه شخصيات مرموقة ومحترمة وحتي ليبرالية أيضا. ولكن المعضلة ظلت قائمة, ومعلنة أن الثورة, إذا كانت هناك ثورة, لم تهبط بعد علي المؤسسات الصحفية القومية- وكأن هناك صحفا غير قومية في مصر- لكي تحررها من هذا السجن. الكارثة التي يشكلها هذا المجلس هي أنه مسئول بشكل حكومي عن المؤسسات الصحفية العامة, ومن ثم فإن مهمته الراهنة هي كيفية التعامل مع ثلاثة مؤسسات خاسرة وتعيش علي ما تمنحه لها الدولة من هبات حتي تدفع مرتبات العاملين فيها. الخوف الآن هو أن يجري التعامل مع هذه المؤسسات كما جري مع مؤسستي التعاون والشعب, اللتين جري استلاب أصولهما سدادا لديونهما ثم تم إلقاء أعبائهما علي المؤسسات الصحفية الثلاث التي لا يزال بها بعض من الصحة الاقتصادية وهي الأهرام والأخبار والجمهورية. إذا حدث ذلك من المجلس الأعلي للصحافة فهو يعني قيام من في طريقهم إلي الغرق بجذب من لا يزال لديه القدرة علي السباحة إلي الغرق في بحر عميق. علاج ذلك لا يكون عن طريق المجلس الأعلي للصحافة الذي يجب أن يلغي مع باقي المجالس العليا والوطنية والقومية في الدستور القادم, ولكن عن طريق سياسات جديدة تبتكرها الأحزاب التي تريد الفوز في الانتخابات القادمة. بصراحة فإن مصير الصحافة القومية ينبغي أن يعود إلي الشعب. المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد