كانت ثلاثون عاما قد مضت منذ تركت مطار أوهير في مدينة شيكاغو وأنا في طريقي إلي القاهرة بعد أن أنهيت دراستي العليا. كان أهل المدينة فخورين بها, وبطبيعتها المتعددة الأجناس. وأن مطارها يأتيه الناس من أطراف الأرض حتي بات أكثر مطارات الدنيا ازدحاما. بالطبع كان هناك تاريخ أحيانا لا تعرف عما إذا كان أهلها فخورين به أم أنهم يودون لو ينسونه. ولكن عندما عشت قريبا منها في جامعتي, كانت البلدة غنية بما فيها من مال وجامعات شهيرة ومراكز المال والأعمال, وبالزهو لأنها بلا منازع عاصمة الغرب الأوسط الأمريكي حيث الأهالي في النهاية فلاحون أغنياء نعم ولكنهم بسطاء وكرماء, ولأنها المدينة التي جاء منها ابراهام لينكولن وأخيرا باراك أوباما. هبطت مطار أوهير هذه المرة لمهمة سريعة للحديث عن الربيع العربي والصراع العربي الإسرائيلي وخلال ثلاثين ساعة تحدثت أربع مرات أهمها كان أمام مجلس الشئون الكونية, المنافس لمجلس الشئون الخارجية في مدينة نيويورك والذي تحدثت أمامه منذ أسبوع. ما بين الأحاديث المختلفة لم أترك دقيقة دون تجول لعل الذاكرة تبعث من الماضي البعيد زمنا آخر, أو تبحث عما بقي من المدينة التي عرفتها قبل ثلاثة عقود. ولكن الأسئلة المطروحة كانت ملحة بشكل أكبر من الذكريات الشخصية حيث كانت الأنباء قد جاءت لتوها أن حزب النهضة التونسي قد فاز بنسبة 45% من مقاعد المجلس التأسيسي التونسي, وكانت الأخبار قد نقلت عن رئيس المجلس الانتقالي الليبي أن ليبيا سوف تكون دولة إسلامية معتدلة. ولم يكن ذلك مدهشا بقدر ما جاء الإعلان عن عودة حق الرجل الليبي في الزواج من أربع نساء. والحقيقة أنني لم أكن قد عرفت أن العقيد القذافي قد وصل به البغي حتي حرم الليبيين من حقوقهم الشرعية. وحتي لم يكن لدي ما يجعلني أعرف عما إذا كان الخبر صحيحا أو لا عندما سألني أحدهم عما إذا كانت ليبيا لديها ما هو أهم حيث تم تدمير البلاد قبل الثورة بيد القذافي, ثم بعدها بفعل قسوته العنيفة. والمسألة هي أنه لم تكن لا ليبيا ولا تونس هما الموضوع, وإنما مصر, وما سوف يجري فيها خلال الانتخابات المقبلة وهي قضية مركبة ومعقدة في آن واحد, ولكن الشعب المصري سوف يختار في النهاية من يمثله. أو هكذا قلت ولما تعقدت الأسئلة أكثر كان موعد الرحيل جاء, وآن أوان العودة إلي بوسطن ومنها بعد أيام إلي القاهرة. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد