لا خلاف بين أبناء مصر جميعا علي اختلاف معتقداتهم الدينية, في ان المأساة التي نزلت علي مصر الآمنة نزول الصواعق بماسبيرو ليست من صنع الإخوة المسيحيين الذين لا يعرفون العنف, والذين يلتزمون بما أوصاهم به الإنجيل الذي في أيديهم أحبوا أعداءكم, وباركوا لاعنيكم. وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم, وقول المسيح عليه السلام سلاما أترك لكم. ونؤمن جميعا في الوقت نفسه بأن الشرطة العسكرية, وهي قطاع من قطاعات جيش مصر الوطني, لم تطلق نيرانا علي المتظاهرين, لما تؤمن به من أنها من الشعب, ومن ثم فهي مسئولة عن حمايته ورعاية أمنه. ونؤمن جميعا بما يفرضه علينا الأمر الرباني: وإذا قلتم فاعدلوا وقوله الناس أشياءهم, ولا تعثوا في الأرض مفسدين, إن المأساة التي وقعت, وأدمت منا القلوب, قبل العيون, خوفا علي مصر الغالية من أن تتردي في فتنة قد تهوي بها إلي مكان سحيق, ان العدوان الذي أسال دماء الأبرياء, وأوقع العديد من القتلي والجرحي بين مدني وعسكري, ومسيحي ومسلم, هو من تدبير الفئة الخاسرة من أعداء ثورة25 يناير وتضم فلول النظام السابق, الذين أضيروا بسقوط نظام فاسد, جثم علي صدر مصر ثلاثين عاما جعلها مرعي مباحا, وكلأ حلالا له ولأشياعه وأنصاره: أفسد ولم يصلح, ظلم ولم يعدل, قرب الأذناب, وأقصي أصحاب القيم والعقول.ومادام الأمر الذي لا نختلف عليه أن أعداء الثورة اندسوا بين المتظاهرين من المسيحيين بعد أن بيتوا لمصر بليل وانطلقوا بأسلحتهم في عدوانهم العشوائي بغير تمييز فوقعت المأساة علي النحو الذي شهدناه. أليس من مقتضي العقل والحكمة, أن نقول إن المظاهرات أيا كان سببها, والاعتصامات من مختلف الفئات والطوائف هي مجال مستهدف من أعداء الثورة لتحويلها إلي معارك دموية, وليس هناك ضمان عندما تفكر أي فئة أو طائفة في التظاهر والاعتصام, ألا يندس فيهم أعداء الثورة وهم كثيرون من الداخل والخارج ومسخرون بالأموال التي تنهال عليهم من كل جهة فيتكرر ما وقع أمام ماسبيرو, علي نحو يقضي علي الأخضر واليابس ولا يسلم من شره أحد. فيا أيها المتظاهرون.. ويا أيها المعتصمون: أليس منكم رجل رشيد؟! نسمع في كل يوم قول بعض القادة إن التظاهر والاعتصام حق مشروع, وهذا ليس صحيحا علي إطلاقه.فمنطق العقل والشرع يقول: إن كل ما يؤدي إلي مفسدة حرام, وإذا كان الإجراء المباح مظنة أن يؤدي إلي حرام, فإنه يصبح محظورا, ولا ضرر ولا ضرار. إن هناك طوائف وفئات وقعت عليها مظالم, ولها حقوق, ولكن ذلك لم يقع بين يوم وليلة, ولكنه وقع وتراكم علي مدي ثلاثين عاما, وليس في طاقة البشر إصلاح ما فسد خلال ثلاثين عاما بين يوم وليلة, فالأمر يستلزم دراسة للتحقق من أن المطلوب حق, وهذه الدراسة تتطلب وقتا, فإذا ثبت أنه حق, فالأمر يتطلب إمكان رد الحق إلي صاحبه وهو في أكثر الأحوال حق مالي, وهل في إمكان خزانة الدولة أن تؤدي هذه الحقوق في وقت واحد, ونحن نعلم أنها مدينة للداخل والخارج, وقد توقف كثير من موارد الخزانة العامة منذ قيام الثورة, بسبب توقف المتظاهرين عن العمل. لهؤلاء المتظاهرين الذين يقولون لن نتحرك حتي نحصل علي حقوقنا, أقول لهم: أليس منكم رجل رشيد؟!. إذا كنتم قد عشتم ثلاثين عاما وحقكم ضائع, فهل من المعقول أن يرد إليكم بين يوم وليلة. أيها المعتصمون: اتقوا الله في مصر التي توشك أن تنهار, وما دمتم قد سكتم علي الظلم ثلاثين عاما, فلتصبروا علي رد الحقوق إلي المظلومين عاما أو عامين, وإلا عرضتم مصر للضياع.إن حكومة مصر ليست في قدرة نبي الله داود الذي ألان الله له الحديد, ولم تؤت مثل ما أوتي ولده نبي الله سليمان الذي أتاه الله من كل شيء وسخر له الجن والطير, وأحضر بقدرة الله عرش بلقيس من سبأ قبل أن يرتد إليه طرفه. أفيقوا يرحمكم الله.. وارحموا مصر الجريحة من عدوان أعداء الثورة, يرحمكم من في السماء, قبل أن نندم حين لا ينفع الندم.