"أوعوا تنسوا دم الشهداء".. بهذه العبارة أخذ العامل البسيط يهتف باكيا، وهو يطوف بأرجاء ميدان التحرير، يوم الأحد 30 يناير الماضي (اليوم السادس للثورة).. وفسر هتافه بأنه رأى زميله يُستشهد هنا، فرأى لزاما عليه مطالبة الجميع بالبقاء؛ حتى تتحقق أهداف الثورة، ويتم القصاص من القتلة. لكن ما حدث بعد ذلك هو أنه تم طرد كل ذكرى، وإزالة أي أثر بميدان التحرير لشهداء الثورة.. برغم أنه في يوم واحد (موقعة المتحف الأربعاء 2 فبراير) سقط أكثر من 12 شهيدا في الميدان! والواقع أن دماء الشهداء، وعددهم يُقدر بأكثر من ألف شهيد، هي سبب نجاح الثورة، فلولا مصارعهم لما نجحت، خاصة بعد ما رآهم أفراد الشعب يرتقون إلى السماء، مدرجين في دمائهم برصاص الخونة من عناصر الأمن والقناصة والبلطجية. وبالتالي كان من المتصور تخليد ذكرهم في مدارجهم، وأن تحرص السلطات على إقامة نصب تذكاري لهم، على الأقل في إطار اهتمامها الثوري المفترض بالميدان.. لكنها لم تفعل ذلك، بل أزالت أربعة نُصُب أقامها الثوار بالميدان، تخليدا لذكراهم، فضلا عن لوحات جدارية ضخمة، أصبحت كلها أثرا بعد عين! أحدها كان عند شركة بنها للإلكترونيات، والثاني عبارة عن جدارية ضخمة قبالة مسجد عمر مكرم، بالقرب من تمثاله، والثالث عبارة عن نصب أفقي على مقربة من باب المتحف، والرابع كان على ناصية شارع طلعت حرب. نعم.. أقامت مكتبة الإسكندرية، وبعض الجامعات نُصُبا تذكارية لشهداء الثورة (مثل جامعة الأهرام الكندية، وجامعة دمنهور)، علاوة على إقامة نصب آخر بجوار مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية.. لكن أليس شهداء "التحرير" أولى بتخليد ذكراهم في هذا الميدان الأغر.. حيث سالت دماؤهم، من أجل تحريرنا، من نير نظام غشوم مستبد؟! لقد حاول الثوار - بقدر الإمكان - الوفاء للشهداء في الميدان؛ فأطلقوا على جمعة التنحي يوم 11 فبراير وصف جمعة ''الشهداء''، ونظموا جمعة "القصاص من قتلة الشهداء" يوم 1 يوليو الماضي، لكن السؤال: لماذا تم طرد ذكرى الشهداء من الميدان؟ ولماذا الإصرار الرسمي على محو أي أثر أو ذكر لهم هناك.. برغم أنه تمت تسمية محطة مترو رمسيس بمحطة الشهداء؟ إن "التحرير" يمثل القلب النابض الذي احتضن الثورة، ومنصة إطلاق صواريخ مطالبها التحريرية، وبالتالي كان من الأولى أن يتحول إلى ذكرى رائعة للمصريين، تعرفهم بمن ضحُّوا من أجل أن يحيوا بعزة، وكرامة. أقول هذا، وأنا أعجب مما تفوهت به مواطنة متعصبة قبل أيام قائلة إن شهداء ثورة 25 يناير بلطجية، وإن الشهداء الحقيقيين هم من ماتوا تحت راية المسيح عند ماسبيرو! أقول لها: إن شهداء الثورة هم أنبل وأشرف وأشجع مَن أنجبت مصر.. إذ بهم أصبح لنا وطن، وبدمائهم الطاهرة ارتوت نفوسنا العطشى للحرية.. فلله دَرُهُم، وفي سبيله أحياءَ نحتسبهم. [email protected] المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد