دعا الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى عدم إيذاء أهل الذمة من النصارى وغيرهم، بل جعل من يفعل ذلك يصير خصيما لرسول الله يوم القيامة، ونهى النبي الكريم عن هدم الكنائس وإيذاء النُّساك في صوامعهم، وتوارث هذا الخُلُق الصحابة والتابعون من بعدهم رضي الله عنهم؛ فكانوا مثالاً رائعًا لاحترام حرية الإنسان وحقوقه، فعاش أهل الذمة في رحاب دولة الإسلام حياة لم ينعموا بمثلها على مر العصور والدهور، ونعموا بالأمن والرفاهية التي لم تُتَحْ لهم حتى من قِبَل إخوانهم نصارى الرومان، لدرجة أن فضَّل نصارى حمص العيش في كنف الصحابة رضي الله عنهم بزعامة أمين الأمة أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - عن العيش في جوار الرومان النصارى؛ نظرا لما لاقوا من ظلم ومن طغيان نصارى الروم الجبابرة. ولكن ما إنْ يطرأ حادث حتى تخرج الإضغان الكامنة في القلوب ضد الإسلام وأهله وبلدانه من لدن مَنْ يستغلون المواقف ويصطادون في الماء العكر، وخلال الأحداث الأخيرة وبرغم الانفلات الأمني الذي حدث لم يثبت أن مسلمًا تعدى على كنيسة، بل إن الشباب المسلم هو مَنْ كان يحرس دور العبادة، وهو من كان يوصل آباء الكنائس إلى بيوتهم ويقوم بحراستهم؛ فاتضح أن النظام البائد هو من كان يُذْكي لهيب الفتنة الطائفية، ويدعي أنه يحمي الأقباط والغرب من فزّاعة الإسلام والإسلاميين فجاء الحق وزهق الباطل، وأثبتت الأحداث كذب الكذابين وافتراء المفترين، وأوضح دليل على ذلك هو حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية، حيث فعلها أذناب النظام المخلوع وقتلوا فيها شابا مسلما بريئا هو سيد بلال عليه رحمة الله، قتلوه ظلما وعدوانا بعدما اتهموه في حادث هم فاعلوه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يُمْهل ولا يُهْمل. ومن هنا لجأ من يريدون خلخلة ثوابت الوطنية وأمن الوطن إلى الاستقواء بالخارج؛ بزعم أنهم مضطهدون، ولاقت دعوتهم تلك هوًى من لدنا من يترقبون بمصر وأهلها (مسلمين وأقباط) سوءًا، وكل يوم نرى بعض الأقباط يقومون بمسيرة من هنا ومن هناك متذرعين بأشياء مُمْلاة عليهم من الخارج، محاولين إحداث بلبلة وزعزعة الأمن وإحراج الحكومة الجديدة، بل وصل بهم الأمر أن قال أحدهم بكل بجاحة وسوء أدب إنه "مستعد أن يضرب محافظ أسوان بالجزمة"، وعميل نصراني آخر يقول على المجلس العسكري أن يتخلص من السلفيين لأنهم أخطر على مصر من إسرائيل!! إن الدين المسيحي دعا في جوهره الصحيح إلى مكارم الأخلاق، وعرف السيد المسيح عليه السلام بالسماحة وحسن الخلق، وقال: "من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر"، وكذلك قال رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"؛ فمن لا أخلاق لديهم، ممن يسبون ولاة الأمور ويتطاولون على ذوي الخلق العالي وحملة الدعوة السمحاء -الأديان كلها منهم براء. وهذا يتضح علنا في احتدام الجدل حول مضيفة "ماريناب" التي يزعم الأقباط أنها "كنيسة"، وفقا لتصريحات القيادة الكنسية، بينما تقول المحافظة بأن المبنى "مضيفة"، طبقا لأوراق في حوزتها تؤكد هذا، فلنترك القانون يحكم بين الفريقين دون الحاجة إلى النفخ في نار الطائفية من قبل "خفافيش الظلام" والعملاء المؤجرين من هنا وهناك، حيث انطلقت ثالث شرارات الفتنة الحارقة الجمعة الماضية بين مسلمين ومسيحيين من قرية الماريناب بإدفو التي تقع شمال محافظة أسوان، وكأنها نسخة مكررة من حادثتي "صول"، و"إمبابة"، ولقد كان السلفيون (خصوصا الشيخ محمد حسان والدكتور صفوت حجازي) هم من أطفئوا نار الفتنة في صول وجرى الصلح وحقن الدماء على أيديهم. ومن هنا فإنني أهيب بالمجلس العسكري ورجاله البواسل واللواء منصور العيسوي وزير الداخلية أن يضربوا بيد من حديد كلَّ من أشعل فتيل الفتنة الطائفية ليجرَّ بلادنا إلى الشتات والفرقة، ولا بد لكل من سار في الطريق المفرق أن يلقى جزاءه فورا ويعاقب عقابا شديدا ورادعا كي يكون عبرة لغيره، ولا يترك أمثال هؤلاء حتى يخلخلوا بنيان مصر العريقة. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر