أكتب اليوم ما بعد عودة الروح مع تذكر الماضي بآلامه والحاضر بقلقه والمستقبل بأحلامه, قامت الثورة المجيدة ولم تكتمل, فقد اختفي أو كاد أبطال الأمس الحقيقيون, ودلف كثيرون من جميع الأطياف للتمتع بنجاحهم وما كانوا يوما المخططين والمنفذين الأوائل لهذا النجاح, وتباري الكثير لاقتسام الكعكة التي لن تكون لأحد إلا اذا خلصت النيات وساد الحب لمصر أولا. لنا أن نسأل ما هي الدوافع لإظهار أسوأ مافينا بعد أن من الله علينا بالفرصة الذهبية للاصلاح والنمو والسعادة؟ الأسباب كثيرة ومنها الظلام الدامس الذي عشنا فيه سنوات طويلة استشري فيها الفساد والاعتداء علي حرمة المال العام, واضطهاد أصحاب الرأي والتنكيل بالمعارضين, وتفشي الرشوة وامتهان كرامة الانسان المصري هذه لأمور أفرزت شعبا لا يثق في بعضه ولا يؤمن بتكافؤ الفرص ولا يري أية ملامح للعدالة حتي في لقمة العيش ما بين مليارديرات وقوم لا يجد قوته, وحين بدأت بوادر الأمل تجلي التفاعل الانعكاسي في حرية منفلتة بعد أن كانت مكبوتة صورت للبعض أن مخالفة القوانين والاعتداء علي الحريات وحتي العبادات أمر مسموح به, وشجع علي هذا الانفلات الأمني والتراخي في معاقبة المخطئين والمعتدين ودور الإعلام في إذكاء الفتنة وتكريم المخطئين وانتشار شائعات كاذبة يتفنن المغرضون في صياغتها مع توفر السلاح في أيدي البعض, وهو ما سمح به غياب الأمن واختراق الحدود المصرية واستهداف من بلاد بعيدة وقريبة, لان وضع مصر يؤهلها تاريخيا وجغرافيا وماديا وشعبيا للريادة. في ضوء الخضم السابق وصعوبة التعامل معه, لم يكن سهلا بدء الاصلاحات المطلوبة لتدني العمل ونقص الامكانات وعدم القبول بالممكن, فكثرت الاحتجاجات وضاعت هيبة الدولة واختلف الناس بجميع أطيافهم من مجلس عسكري وحكومة وائتلافات وأحزاب وحركات, وأصبح معتادا أن يمتنع الناس عن أعمالهم ثم يطالبون بزيادة رواتبهم, وهي حقوق طال أمدها ولكن التعقل مطلوب في هذه المرحلة لنخرج منها بأمان, ويجب أن نتفهم ما حدث للشرطة التي وضعت علي المحك نتيجة أخطاء سابقة عديدة ولكنها الآن بين وضعين كلاهما مر, تنفيذ القانون وهيبة الدولة ولو بالقوة, مما يعرضها للمساءلة أو المحاكمة أو الاهمال, وعدم القيام بعملهم مما يعرض المواطنين والدولة للخطر الداهم مما يستدعي الحسم في التعامل مع الأمرين. للإعلام دور كبير يجب أن يضطلع به بكل الاخلاص والشفافية ومراعاة صالح الوطن وليس لإنجاز سبق صحفي أو لتأييد اتجاه ضد اتجاه ان مصر أول دولة مدنية في التاريخ صالت وجالت وأفرزت للعالم كل المقومات والقواعد والنظم فهي حقا أم الدنيا, واذا كان الاحتلال المتكرر والظروف فرضت عليها في دهور عدة التخلي عن الريادة, فإنها اليوم تتأهب لتأسيس دولة مدنية حديثة تتحلي بالمساواة والعدالة والعمل والنظافة والابتكار, دولة يحسب لها حساب في كل المجالات وليس هذا علي الله بكثير, يجب اشاعة روح الحب والاحترام المتبادل والتركيز علي الحاضر والمستقبل أكثر من الماضي, والوحدة بدل الفرقة وإبراز نقاط الالتقاء وعدم تجسيم نقاط الخلاف, والدعوة لإصلاح عام في كل مناحي الحياة مثل التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والزراعة والمياه والبحث العلمي والصناعة لنعيد لمصر وجهها المشرق ابان ثورة يناير المجيدة والتي تحدث عنها كل العالم بإعجاب وتقدير ولنعلم إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.