في مواجهة البلطجة! إذا كان مفهوما أن يكون للبلطجة ناسها من ذوي السوابق وأصحاب السمعة السيئة فإن الذي لا يمكن فهمه أو حتي مجرد تبريره أن البلطجة غدت سلوكا يتباهي به أسوياء ذوي ثقافة عالية ومكانة اجتماعية مرموقة. بدليل استشراء هذه الظاهرة في أوساط وبيئات وأندية وتجمعات كانت عنوانا للوقار والاحترام ولم تكن تسمح بأي سلوك فوضوي غير مهذب وتعتبره من المحظورات والمحرمات التي لا يجوز السماح بها. إن بعض ما نشهده من ظواهر البلطجة لا يعكس فقط وجود انفلات أمني وإنما يدل علي وجود إحساس لدي البعض بأن بإمكانهم أن يغمضوا أعين العدالة وأن يحجروا علي آليات تنفيذ القانون بوسائلهم الخاصة ليتمكنوا من ممارسة البلطجة سواء كانت حوادث ظاهرة ومسموعة ومرئية تستفز الرأي العام أو كانت حوادث خفية ومكتومة لا يسمع بها أحد ويتم من خلالها اغتصاب حقوق الغير وتعطيل تنفيذ أحكام العدالة وتحييد دور الشرطة. ومن الغريب أن لدينا قانونا للبلطجة جري إقراره في مجلس الشعب قبل عشر سنوات ومع ذلك لم يشعر أحد بوجود هذا القانون الذي سرعان ما دخل إلي ثلاجة التجميد, ومن ثم ظن البعض- وربما أيقنوا- أن القانون الوحيد هو قانون القوة والقوة هنا ليست قوة السلاح الناري أو السلاح الأبيض أو باستخدام العصي والشوم, وإنما أصبح للقوة مظاهر عديدة تتمثل في القدرة علي شراء الذمم والضمائر بالمال أو في الترهيب المعنوي باستخدام فصائل الفتوات التي يسمونها بودي جاردات! ليست البلطجة وافدا جديدا بعد25 يناير وإنما هي موجودة منذ سنوات وربما يكون الانفلات الأمني قد ساعد علي ظهورها بشكل كثيف ولكن ينبغي العودة إلي الجذور الحقيقية لها حتي يمكن استئصال هذه الجذور اسئصالا كاملا بدلا من تسطيح الأمور والتوقف فقط أمام جرائم المشهد الراهن التي تهز مشاعرنا وتؤرق ضمائرنا وتثير في نفوسنا غضبا وقلقا وقتيا سرعان ما تتلاشي أصواته وأصدائه رويدا رويدا ثم يبقي الحال علي ماهو عليه! لا بد من وقفة رسمية وشعبية نؤكد بها أن القانون ليس مجرد نصوص مكتوبة وإنما القانون حالة دائمة يحسها ويلمسها الناس لأنه في غيبة من إحساس عام بأن القانون هو الشيء الوحيد الذي لا يخلد إلي النوم والراحة, ولا يعرف النعاس أو الغيبوبة يظل استمرار البلطجة خطرا داهما مع استمرار التعامل معها كأنها مجرد مخالفات واردة الحدوث مثل المشاجرات العادية! ونقطة البداية تنطلق من القدرة المجتمعية علي سرعة استعادة القيم والتقاليد التربوية العظيمة وهذا هو ميدان الجهاد الأكبر للقوي السياسية ومؤسسات المجتمع المدني! خير الكلام: في غياب الشعور بالأمن يختفي الإحساس بلذة الحياة! [email protected]