تلقينا نحن القيادات الجامعية بمنتهي الحسرة والمرارة ما تداولته وسائل الاعلام المختلفة حول ماأقره مجلس الوزراء بشأن مشروع مرسوم بقانون مقدم من وزارة التعليم العالي بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 باعتبار الوظائف القيادية بالجامعات المصرية شاغرة اعتبارا من أول أغسطس 2011 مع استمرار شاغلي تلك الوظائف حاليا في أداء أعمالهم لحين صدور قرارات شغلها طبقا لهذا المرسوم. إن منبع الحسرة والمرارة التي أصابتنا نحن القيادات الجامعية ليس في قرار مجلس الوزراء إقصاء القيادات الجامعية فقط ولكنها تنبع أيضا من الطريقة التي تمت بها في وقت ننادي فيه بالديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر وكذلك احترام القانون. كان من الأوفق والأوقع الاستقرار أولا علي التصور النهائي لآلية اختيار القيادات الجامعية في الفترة المقبلة علي نحو يكفل المساواة والعدالة بين جميع المتقدمين لشغل هذه الوظائف ثم إقراره من مجلس الوزراء بعد استطلاع رأي أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بكل الجامعات المصرية وإحالته بعد ذلك إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة لإقراره شريطة تطبيقه فقط علي القيادات الجامعية التي تنتهي ولايتها قانونا مع نهاية العام الجامعي الحالي, خاصة أن القيادات الجامعية الحالية والتي لم تنته مدة ولايتها تم اختيارها طبقا لقانون نافذ ومارست مهامها في اطار من الشرعية وان إقصاءها من مواقعها علي هذا النحو دونما جريرة ارتكبتها يتعارض والمباديء الأساسية لسيادة القانون واحترامه إلا إذا كانت هناك أسباب موضوعية تخص القيادات غير المنتهية ولايتها من أخطاء وتجاوزات وتقاعس واستغلال السلطة والنفوذ وما شابه ذلك, أما في حالة عدم وجود أي أسباب موضوعية فإن القرار يتنافي مع القيم الأصيلة وقواعد الحق والعدل. ان الدافع تجاه كتابة هذه السطور ليس رغبة في الاحتفاظ بالمواقع القيادية وإنما هو رد علي هذا المقترح المنطوي علي إهانة وإهدار مكانة وكرامة القيادات الجامعية مع العلم أن مدة ولايتي تحديدا كعميد كلية قد انتهت بالفعل هذا العام ولا أطمع في التقدم لشغل منصب قيادي بالجامعة في الفترة المقبلة. لقد استمرت القيادات الجامعية الحالية في أداء مهامها بالتنسيق مع السادة الزملاء أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات في ظروف بالغة الصعوبة إبان اندلاع ثورة 25 يناير بناء علي رغبة المجلس الأعلي للقوات المسلحة والذي بدا واضحا في انتظام الدراسة منذ اليوم الأول لاستئنافها عقب الثورة حتي إجراء امتحانات نهاية العام الدراسي بسلام في ظل غياب الحرس الجامعي ومطالب فئوية مجتمعية ومحاولات البعض إثارة القلاقل لزعزعة استقرار المجتمع الجامعي كادت تعصف بالعام الجامعي وما كان سيترتب عليه من تهديد مستقبل آلاف من الطلاب, الأمر الذي يؤرق أيضا مئات الآلاف من اسر هؤلاء الطلاب غير أن حكمة تلك القيادات وحسن تعاملها مع الأزمة جعلها تقبل تحمل المسئولية كاملة خلال هذه الفترة العصيبة من حياة امتنا وذلك إيمانا منهم بدورهم في أمن واستقرار مصر والوصول بالعملية التعليمية إلي بر الأمان وهو ما يعد انجازا للقيادات الجامعية وأعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة في تلك الظروف الصعبة إلا أن توفيق الله وحنكة تلك القيادات الجامعية وصلت بالعام الجامعي إلي بر الأمان مع الحفاظ علي اصول الجامعات المصرية من منشآت وقوي بشرية وممتلكات مادية حيث كانت جميع القيادات موجودة ومتفاعلة ككتيبة متراصة ترقب المنشآت الجامعية ليلا ونهارا في شكل لجان أمنية تعمل من خلال دوريات علي مدي اليوم الواحد, حيث كان من المتوقع ان يتقدم مجلس الوزراء الموقر بالشكر والتقدير للقيادات الجامعية واعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة التي استأنفت الدراسة والوصول بها إلي بر الأمان في ظل هذه القلاقل والعراقيل. وفي ذات الوقت, فإن جميع القيادات الجامعية غير آسفة علي ما بذلته من جهد ووقت في ممارسة اعمالها القيادية والإدارية خلال الفترة الماضية وتتطلع إلي العودة إلي مواقعها الأكاديمية التي اكسبتهم المكانة العلمية المميزة في جميع المحافل الأكاديمية راضين بما قدموه للجامعة والمجتمع. فكما عهدنا المجلس الأعلي للقوات المسلحة الموقر حماية الحقوق والحريات وإصدار قرارات استراتيجية وحاسمة وكلها تصب في النهاية لمصلحة الوطن والشعب, لذا نناشد المجلس الموقر تصحيح ماوقع من اساءة وإهانة بالغة في حق القيادات الجامعية وإعادة قدسية القيم والمبادئ الجامعية وما يحافظ علي الشرعية والقوانين تماشيا مع الإعلان الدستوري وتصحيح القانون, وليس دينا مانع بالاستقرار علي آلية وقواعد ونظام الاختيار الأمثل الذي يحقق طموحات اعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية في الوصول للعالمية, ونحن علي ثقة من ان المجلس الأعلي للقوات المسلحة لن يوافق علي اصدار تشريع الغرض منه هدم التقاليد والاعراف الجامعية الراسخة وإهدار جميع القيم والمبادئ الجامعية المستقرة. المزيد من مقالات د. حسن عتمان