تحل اليوم ذكري رحيل مصطفي صادق الرافعي أحد أقطاب الأدب العربي الحديث في القرن العشرين، نشأ في أسرة من طرابلس بالشام ولكنه ولد في مصر وعلى ضفاف النيل عشا أبوه وجده والأكثرون من بني عمه وخئولته منذ أكثر من قرن. استمع إلى أبيه أول ما استمع تعاليم الدين وحفظ شيئًا من القرآن، وفي السنة التي نال فيها الشهادة الابتدائية، وهى كل ما نال من شهادات دراسية، أصبه مرضي مُشفٍ أثبته في فراشه أشهرًا كان التيفويد، وبسبب علة أصابت أذنيه لم يكمل دراسته، وفقد السمع قبل أن يتم تمامه، وظل على الدأب في القراءة والاطلاع إلى آخر يوم من عمره، يقرأ كل يوم ثماني ساعات متواصلة لا يمل ولا بنشد الراحة لجسده وأعصابه، كأنه من التعليم في أوله لا يرى أنه وصل منه إلى غاية، كما رصد عنه الكاتب محمد سعيد العريان في كتابه "حياة الرافعي". وصفه الإمامُ الشيخ محمد عبده يوما بقوله: «ولدنا الأديب الفاضل مصطفى أفندي صادق الرافعي، زاده الله أدبًا.. لله ما أثمر أدبُك، ولله ما ضَمِن لي قلبُكَ، لا أقارضُك ثناء بثناء؛ فليس ذلك شأن الآباء مع الأبناء، ولكني أَعُدّك من خُلَّص الأولياء، وأُقدًم صفك على صف الأقرباء.. وأسأل اللهَ أن يجعل للحق من لسانك سيفًا يمحق الباطل، وأن يُقيمَك في الأواخر مقامَ حَسَّانٍ في الأوائل، والسلام». كما قال عنه مصطفى كامل: «سيأتي يوم إذا ذُكر فيه الرافعيُّ قال الناس: هو الحكمة العالية مصوغة في أجمل قالب من البيان»،ووصفه محمد رشيد رضا ب«الأديب الأروع، والشاعر الناثر المبدع، صاحب الذوقِ الرقيق، والفهمِ الدقيق، الغواص على جواهر المعاني، الضارب على أوتار مثالثها والمثاني»،وقال عنه أحمد محمد شاكر: «إمام الكُتَّاب في هذا العصرِ، وحجة العربب». قدّم العديد من المؤلفات الأدبية والدينية ومن أشهرها "حديث القمر"، و"أوراق الورد"، و"تحت راية القرآن"، و"إعجاز القرآن والبلاغة النبوية". وفي عام 1910 كانت وقفة الرافعي ضد قيود الشعر التقليدية أخطر وأول وقفة عرفها الأدب العربي في تاريخه الطويل، وقبل ظهور معظم الدعوات الأدبية الأخرى التي دعت إلى تحرير الشعر العربي جزئيًا أو كليًا من الوزن والقافية. وفي عام 1903 أصدر أول ديوان له وحقق صدي عظيم بين كبار شعراء مصر إذ كتب فيه البارودي والكاظمي وحافظ ابراهيم شعرًا، كما أرسل له الشيخ محمد عبده وزعيم مصر مصطفى كامل له مهنئين. أصيب "الرافعي" في سن مبكر بمرض التيفود وهو ما أفقده سمعه بصفة نهائية، كما انه لم يحصل علي أكثر من الشهادة الابتدائية.