تعليم البحيرة يحصد المركز الأول في مسابقة "التوعية ضد المخاطر الرقمية"    محافظ الإسماعيلية يستقبل رئيس هيئة قضايا الدولة    البورصة تصعد 4.49% مع نهاية تعاملات الأحد    تعرف على سعر الذهب المعلن بموقع البورصة المصرية اليوم الأحد 19 مايو    رئيس الرقابة المالية يستعرض تطوير القطاع المالي مع غرفة التجارة الأمريكية    رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية: قانون التأمين الموحد سيتم إصداره قريبا جدا    الأونروا: المساعدات تصل ب "القطارة" إلى قطاع غزة    أراوخو وجوندوجان فى قائمة برشلونة لمواجهة رايو فايكانو اليوم    حال الفوز أو الهزيمة.. ما هي العوائد المالية للزمالك في نهائي الكونفدرالية؟    "كانوا بيغشوا فى الامتحان".. التحقيق مع 3 طلاب في البحيرة    أسرة طالبة دهس سباق الجرارات بالمنوفية: أبوها "شقيان ومتغرب علشانها"    سلمى أبو ضيف تظهر برفقة خطيبها على السجادة الحمراء بمهرجان كان    بالصور| كواليس أخر أيام تصوير فيلم "اللعب مع العيال"    تنظيم زيارة لطلبة مدرسة التربية الفكرية بالشرقية لمتحف تل بسطا    الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع والفرق بين الجارية وغير الجارية    وزير الصحة عن تقديم القطاع الخاص الخدمات الصحية: مفيش أعباء جديدة على المواطن    "علشان متبقاش بطيخة قرعة".. عوض تاج الدين يكشف أهمية الفحوصات النفسية قبل الزواج    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    إعلام إسرائيلي: اغتيال عزمى أبو دقة أحد عناصر حماس خلال عملية عسكرية في غزة    «شعبة المصدرين»: ربط دعم الصادرات بزيادة المكون المحلي يشجع على فتح مصانع جديدة    مصادر أوكرانية: مقتل 4 وإصابة 8 في هجوم جوي روسي على خاركيف    خالد عباس: إنشاء وإدارة مرافق العاصمة الإدارية عبر شراكات واستثمارات عالمية    «متحدث الصحة»: 5 نصائح هامة للحماية من مضاعفات موجة الطقس الحار (تفاصيل)    المجلس الأعلى للحوار الاجتماعي يستكمل جلسات مناقشة مشروع قانون العمل    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    وزارة الإسكان تخطط لإنشاء شركة بالشراكة مع القطاع الخاص لتنشيط الإيجارات    وزيرة الهجرة: مصر أول دولة في العالم تطلق استراتيجية لتمكين المرأة    إيرادات فيلم السرب تتخطى 30 مليون جنيه و«شقو» يقترب من ال71 مليون جنيه    دراما الشحاذين.. كوميديا سوداء تبحث عن النور في المهرجان الختامي لنوادي المسرح 31    رئيس الأغلبية البرلمانية يعلن موافقته على قانون المنشآت الصحية    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    موعد انتهاء الموجة الحارة في مايو .. وبداية فصل الصيف    الجوازات والهجرة تواصل تسهيل خدماتها للمواطنين    توقيع الكشف الطبي على 1531 حالة خلال قافلة طبية بقرية في مركز ملوى بالمنيا    مصدر من نادي إينتراخت فرانكفورت يكشف ل في الجول مصير عملية مرموش الجراحية    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    أكبر مدن أمريكا تفتقد إلى الأمان .. 264 ألف قضية و4 آلاف اعتداء جسدى ضد النساء    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    جبالى يحيل 10 مشروعات قانون للجان النوعية بالبرلمان    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    أحمد أيوب: لا يوجد بديل في الأهلي يعوض غياب على معلول أمام الترجي    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    تعليم الفيوم يحصد 5 مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية فى المسابقة الثقافية    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    تشكيل الزمالك المتوقع ضد نهضة بركان في إياب نهائي الكونفيدرالية.. جوميز بالقوة الضاربة    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب في أميركا.. وقائع وتحدّيات
نشر في أهل مصر يوم 18 - 04 - 2016

هناك خصوصية تتّصف بها الجالية العربية في أمريكا، فأفراد الجالية ينتمون لأصول ثقافية عربية واحدة، لكنّهم يتحدّرون من دول وأوطان متعدّدة، فيأتون إلى أمريكا التي هي وطن وبلد واحد، لكن يقوم على أصول ثقافية متعدّدة!
ولهذه الخصوصية انعكاساتٌ مهمّة جدًّا على واقع ودور العرب في أمريكا؛ فهُم بنظر المجتمع الأميركي – وحتّى المنطقة العربية- "جالية واحدة"، بينما واقع الأمر أنّهم يتوزّعون على "جاليات" عربية.
وتنشط غالبية الجالية من خلال تسميات خاصة بالأوطان، بل بعضها يحصر انتماءه في أطر مناطقية من داخل البلدان العربية.
وأدّت هذه الخصوصية إلى كثيرٍ من المعضلات في دور العرب على الساحة الأميركية، فالتسمية النظرية هي: جالية عربية، بينما الواقع العملي في معظمه هو تعدّد وانقسام على حسب الخصوصيات الوطنية أو المناطقية أو الطائفية أحيانًا، إضافةً طبعًا للصراعات السياسية التي تظهر بين الحين والآخر.
أمّا بالنسبة لثقل العرب في أميركا، فإنّ عددهم لا يتجاوز الواحد في المائة نسبةً إلى عدد السكّان الأميركيين. هناك أكثر من 300 مليون أميركي منهم حوالي 3 ملايين عربي، فنسبة واحد بالمائة من السكان لا تغيّر كثيرًا من واقع الحال، وإن كان عددٌ كبير من أفراد الجالية هم أصحاب كفاءات مهنية مهمّة؛ لكن هذه الكفاءات العربية هي في حالة عمل فردي أكثر ممّا هو عمل جماعي منظّم. وهناك تجمّعات عربية منظّمة أحيانًا، لكن تأثيرها موضعي ومرتبط بزمان ومكان محدّدين، أو كحالة دعم عددٍ من المرشّحين في الانتخابات الأميركية، عِلمًا أيضًا أنّ ترشيح أسماء من أصول عربية في الانتخابات الأميركية لا يعني بالضرورة أنّها ستكون من مؤيّدي القضايا العربية.
لقد مضى أكثر من قرنٍ من الزمن على بدء الهجرة العربية لأميركا، لكن رغم ذلك، فإنّ واقع العرب في أميركا استمرّ كمرآة تعكس حال العرب في البلاد العربية. ولم يستفد العرب في أميركا بشكلٍ عميق من طبيعة التجربة الأميركية التي قامت وتقوم على الجمع بين تعدّد الأصول الثقافية والعرقية، وبين تكامل الأرض والولايات في إطار نسيج دستوري ديمقراطي، حافظ على وحدة "الأمّة" الأميركية - المصطنعة أصلًا- وعلى بناء دولة هي الأقوى في عالم اليوم.
وهناك مقارنة خاطئة تتكرّر أحيانًا في الإعلام العربي، وهي مقارنة حالة العرب في أميركا بحالة اليهود الأمريكيين‏.‏ فالواقع أنّ "العرب الأميركيين" هم حالة جديدة في أميركا مختلفة تمامًا عن الحالة اليهودية‏.‏ العرب جاءوا لأمريكا كمهاجرين حديثًا من أوطان متعدّدة إلى وطن جديد‏،‏ بينما اليهود في أمريكا هم مواطنون أمريكيون ساهموا بإقامة وطن (إسرائيل‏) في قلب المنطقة العربية،‏ أي عكس الحالة العربية والإسلامية الأميركية وما فيها من مشكلة ضعف الاندماج مع المجتمع الأميركي‏.‏
حالة العرب في أميركا مختلفة أيضًا من حيث الأوضاع السياسية والاجتماعية،‏ فكثيرٌ منهم هاجروا لأميركا لأسباب سياسية واقتصادية، وأحيانًا أمنية تعيشها المنطقة العربية،‏ مّا يؤثر على نوع العلاقة بين العربي في أمريكا والمنطقة العربية‏.‏ بينما حالة العلاقة بين معظم اليهود الأميركيين وإسرائيل هي حالة من شارك في بناء هذه الدولة وليس المهاجر (أو المهجّر) منها‏.‏
أيضًا، ليس هناك مؤسّسات رسمية أو إعلامية أميركية محايدة لكي تتنافس عليها الجالية العربية مع الجالية اليهودية المؤيدة لإسرائيل، وهذا بذاته يجعل المقارنة غير عادلة‏.‏ فاللوبي الإسرائيلي في أميركا يتعامل مع علاقة واحدة خاصّة هي علاقة إسرائيل بأمريكا، بينما تتعامل المؤسسات العربية-الأمريكية مع علاقات عربية متشعّبة ومختلفة بين أكثر من عشرين دولة عربية وبين الولايات المتحدة.
إنّ العرب الأمريكيين يتعاملون مع واقع عربي مجزّأ، بينما يدافع اللوبي الإسرائيلي عن كيانٍ واحد هو إسرائيل.
من ناحية أخرى، فإنّ للعرب الأمريكيين مشكلة تحديد الهويّة وضعف التجربة السياسية، وهي مشكلة لا يعانيها اليهود الأميركيون‏.‏ لقد جاء العرب إلى أميركا من أوطان متعدّدة ومن بلادٍ ما زالت الديمقراطية فيها تجربة محدودة، إضافةً إلى آثار الصراعات المحلّية في بلدان عربية، وتأثير ذلك على مسألة الهويّة العربية المشتركة.
أيضًا، من المهمّ التمييز بين حالاتٍ ثلاث مختلفة‏:‏ فهناك "أمريكيون عرب"، وهم أبناء الجيل المهاجر الأول،‏ ومعظم هؤلاء لم يعد لهم أي تواصل أو ارتباط ثقافي مع البلاد العربية وقضاياها، ثمّ هناك "عرب أمريكيون" وهم الأجيال المهاجرة حديثًا إلى المجتمع الأميركي، لكنها مندمجة فيه بقوّة وتشارك في العمليات الانتخابية، وتقود هي عمليًا الأنشطة السياسية والثقافية للجالية العربية،‏ وهناك "عرب في الولايات المتحدة" وهم هؤلاء الذين لم يصبحوا مواطنين أميركيين بعد، وأولوياتهم تختلف تمامًا عن الحالتين السابقتين.‏ وبينما نجد أغلب "الأمريكيين العرب" غير متواصلين مع البلاد العربية الأم، نرى أنّ‏ الفئة الثالثة، أي العرب المهاجرين حديثًا، غير متواصلة بعمق مع المجتمع الأمريكي نفسه،‏ ولكلٍّ من هذه الفئات نظرة مختلفة للحياة الأمريكية وللدور المنشود في المجتمع‏.
أضف على ذلك أيضًا، تعدّد الانتماءات الطائفية والمذهبية والإثنية في الجالية العربية‏.‏ فالبعض مثلًا يتفاعل فقط مع منظّمات دينية إسلامية وهو ما يستبعد نصف الجالية العربية. فأكثرية الجالية العربية هي من جذور دينية مسيحية، بينما نجد أنّ أكثرية الجالية الإسلامية هي من أصول غير عربية.
فالجالية العربية في أميركا تعيش محنة ارتجاج وضعف في الهويتين العربية والأميركية معًا. فالمهاجرون العرب، أينما وُجِدوا، ينتمون عمليًا إلى هويتين: هويّة أوطانهم العربية الأصلية، ثمّ هويّة الوطن الجديد الذي هاجروا إليه. ومنذ 11 سبتمبر 2001، ثمّ ما تلاها من أعمال إرهابية في أوروبا وأميركا من قبل جماعاتٍ متطرّفة تحمل أسماء عربية وإسلامية، حدثت جملة تطوّرات انعكست سلبيًا على الهويتين معًا. ففي الحالة الأميركية أصبح المواطن الأميركي ذو الأصول العربية أو الانتماء الديني الإسلامي موضع تشكيك في هويّته الأميركية، وفي مدى إخلاصه أو انتمائه للمجتمع الأميركي. وقد عانى الكثير من العرب والمسلمين في عدّة ولايات أميركية من هذا الشعور السلبي لدى معظم الأميركيين حيال كل ما يمتّ بصِلة إلى العرب والعروبة والإسلام.
أيضًا، ترافق مع هذا التشكيك الأميركي بضعف "الهويّة الأميركية" للأميركيين ذوي الأصول العربية تحديدًا، تشكّك ذاتي حصل ويحصل مع المهاجرين العرب في هويّتهم الأصلية العربية، ومحاولة الاستعاضة عنها بهويّات فئوية بعضها ذو طابع طائفي ومذهبي، وبعضها الآخر إثني أو مناطقي، أو في أحسن الحالات إقليمي.
وإذا كان مردّ التشكيك الأميركي ب"الهويّة الأميركية" للمهاجرين العرب هو "الجهل"، فإنّ سبب ما يحدث من تراجع وضعف في مسألة "الهويّة العربية" على الجانب الآخر هو طغيان سمات مجتمع "الجاهلية" على معظم المنطقة العربية، وانعكاس هذا الأمر على أبنائها في الداخل وفي الخارج.
لكن "فاقد الشيء لا يعطيه"، لذلك هي أولوية موازية لأولوية التعامل العربي مع "الآخر"، بأن يعمل العرب والمسلمون في أميركا والغرب على الفهم الصحيح لأصولهم الحضارية والثقافية، وعلى الفرز بين ما هو "أصيل" وما هو "دخيل" على الإسلام والثقافة العربية. كذلك، فمن المهمّ التشجيع على أسلوب الحوار الدائم بين العرب أنفسهم، وأيضًا بين المؤسّسات والهيئات العربية والإسلامية، وبين غيرها من المؤسّسات في هذه المجتمعات، إضافةً إلى الحوار مع المجتمع الأميركي عمومًا عبر الإعلام أو الندوات أو رسائل الإنترنت.
فهي مهمَّة مزدوجة الآن أمام العرب والمسلمين في أميركا والغرب: تحسين وإصلاح النفس بشكلٍ متزامنٍ مع تحسين وإصلاح "الصورة"، أي بناء الذات العربية والإسلامية السليمة مع بناء المعرفة السليمة لدى النفس وعند الآخر. إنّ تجربة "مركز الحوار العربي" في واشنطن تتعامل تحديدًا مع هذه المعضلة التي تواجهها الجالية العربية في أميركا، إذ تهتمّ هذه التجربة العربية بتحسين الشأن الفكري والثقافي، وبالتشجيع على أسلوب الحوار وعلى ضرورة الاعتزاز بالهويّة الثقافية العربية المشتركة، مع ضرورة القناعة بأهمية وجود تعدّدية فكرية وسياسية في أي مجتمع.
فالمرحلة الآن – وربّما لفترةٍ طويلة - هي مرحلة إقناع المواطن الأميركي والغربي عمومًا، بمن نكون "نحن" أكثر ممّا هي ب"ما الذي نريده"، وهي مرحلة تضعنا أمام خيارين: إمَّا السقوط أيضًا مع الغربيين في فخِّ نظرية "صراع الحضارات" و"الخطر الإسلامي" القادم من الشرق، أو محاولة انتشال بعض هذا الغرب من هذا الكمين الذي تستفيد منه حصرًا إسرائيل، ومعها كلّ أعداء العرب والمسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.