لم يكن الحكام والأمراء فقط هم من يهتمون بالعمارة بل أسهمت بعض أمهات الأمراء في تشييد عدد من المنشآت أو ترميمها ، وسوف تتم الإشارة لهن في مواضع أخري . غير أن هناك لمحة طريفة يمكن أن تجمع أربع أمهات في هذا الموضع ، وتتمثل في الأسبلة التي حملت أسماءهن ، بما تضمنته من لوحات خطية بديعة . ربما يكون أشهرها هو سبيل أم عباس ، لكن هناك أيضا سبيل أم محمد علي ، سبيل أم حسين ، وسبيل أم مصطفي فاضل . وإذا كانت وظيفة الأسبلة هي توفير الماء لري ظمأ العابرين فإن قيمتها الوظيفية لم تجعلها تنسي أن الجمال هو سلسبيل الأرواح الذي ينساب إليها عبر عيون أضناها التعب ، غير أنه لم يشغلها أبدا عن عشقها الفطري لكل ما هو جميل . قد تتفاوت درجة سحر الكتابات من سبيل لآخر لكن يظل هناك حد أدني لا يمكن النزول عنه ، إنه حد أدني يفوق الحدود القصوي في منشآتنا الحالية دون أن يكون في ذلك إساءة لعصرنا الذي أنهكته الأعباء ! سبيل أم حسين : أنشأته أم حسين بك ابن محمد علي باشا ويقع بجوار مدرسة القاضي يحيي زين الدين بتقاطع شارعي الأزهر وبورسعيد ، ولوحته التأسيسية باللغة العربية . سبيل أم محمد علي الصغير : يقع بميدان رمسيس وأنشأته الأميرة زيبا قادان زوجة محمد علي باشا ووالدة محمد علي الصغير ، ويحتوي كتابات باللغتين التركية والعربية. سبيل أم مصطفي فاضل : يقع أمام مسجد بشتاك بدرب الجماميز ، وأنشأته ألفت هانم والدة الأمير مصطفي فاضل ، وهي نفسها التي أمرت بتجديد قصر بشتاك . وقدكتب نقوشه الخطاط السيد ابراهيم رشدي المولوي ، وكتاباته باللغتين العربية والتركية . سبيل أم عباس : لا تصلح المعلومات وحدها للتعريف بهذا السبيل ، فرغم ثراء شارع الصليبة بالآثار إلا أن السبيل يعتبر درة تاجه ، ومع أنه لايقع بأكمله علي الشارع إذ أنه يقع في تقاطعه مع شارع السيوفية إلا أن جانبه الظاهر في الصليبة كفيل بأن ينسي أي عابر كل ما يحيط به ليستقر ببصره عليه ، هنا تسبح العيون في بحيرة من الجمال تضم زخارف فاتحة لشهية النظر ، وحروف متشابكة في تناغم، تعيد للإحساس بالجمال رونقه ، خطها بإبداع عبد الله زهدي في ثلاث مجموعات ، تتضمن الأولي شريطين كتابيين بهما سورة الفتح كاملة ، أما الثانية فتضم آيات قرآنية مرتبطة بالماء . بينما تضم الثالثة اسم المنشيء وتاريخ البناء باللغة التركية ، واسم الخطاط . ويرجع فضل إنشاء هذا المبني إلي بمبه قادان أم عباس باشا ، ويعتبر تخطيط حجرة السبيل المثمن من الأمثلة النادرة بالقاهرة . ربما كان هدف من أنشأته أن تروي ظمأ العابرين لتنال ثواب ذلك ، لكنها لم تكن تعلم أن زمن الأسبلة سيمضي دون أن يتوقف ثوابها ، فربما يكون المبني قد توقف عن السقاية ، لكنه يروي عطش عشاق الجمال الذين يفدون خصيصا له يوميا .