بريان مكابي، قاص وشاعر أسكتلندي ولد عام 1951، ونشأ في مدينة صغيرة بمنطقة استخراج الفحم قرب أدنبرة. كان والده يعمل في أحد مناجم الفحم، ووالدته طاهية وعاملة نظافة، لذا عاش حياة فقيرة لدرجة أنه الوحيد بين إخوته الذي أتم تعليمه وذهب إلي الجامعة. كان والد مكابي يهوي القراءة ويشتري الكتب رخيصة الثمن من وقت لآخر رغم فقره الشديد. هكذا قرأ الابن الكثير من الأعمال الأدبية في صباه، وتعرف علي شكسبير وبايرون وشيلي، وغيرهم من الشعراء والكتاب. وواصل القراءة بشغف، حين أدرك أن الأدب ينقل الواقع ولكن بطريقة سحرية، إلا أنه لم يحلم أو يفكر في أن يصبح كاتباً. في السادسة عشرة، بدأ يكتب أولي قصائده بتشجيع من والده ومن مدرس اللغة الإنجليزية، وحين التحق بجامعة أدنبرة لدراسة الفلسفة والأدب الانجليزي، جمعته الصدفة بعدد من الكتاب الشباب فتحوا له أفقاً جديداً جعله يقرر أن يصبح كاتباً بعد أن يُنهي دراسته الجامعية. لم يكن الطريق سهلاً بالنسبة له، فقد عمل في وظائف شتي لعدة سنوات، في مستشفيات ومطاعم ومتاحف، كما عمل في جمع العنب في فرنسا. وفي 1980، أصبح بريان مكابي كاتباً مُتفرغاً، وبدأ ينشر أعماله ويحصل منها علي عائد مادي معقول. وحصل علي عدة زمالات جامعية في اسكتلندا وخارجها، بالإضافة إلي كتابة عدد كبير من المسلسلات الإذاعية، كما أدار عدداً من المشروعات الإبداعية وورش الكتابة، وفي عام 2004، أصبح رئيساً لتحرير دورية "أدنبرة" الأدبية. بدأ مكابي حياته الأدبية بكتابة الشعر، وتأثر بعدد من الشعراء الذين التقي بهم في "أدنبرة" مثل نورمان مايدج، وروبرت جارويش، وليزا لوكهيد، وكونوا معاً جماعة أدبية باسم "الشعراء الضائعون"؛ التي نظمت عدداً من الندوات الشعرية وشاركت في الكثير من الفاعليات في بداية السبعينيات. ونشر ديوانه الأول "وداعاً للمدرسة" عام 1972، واستمر في كتابة الشعر وصدر له أربعة دواوين حتي الآن، كان آخرها ديوان "صفر" عام 2009، كما نشر رواية وحيدة عام 1991، بعنوان "ماكوي الآخر". إلا أنه اتجه لكتابة القصة القصيرة في مطلع الثمانينيات، وحققت قصصه نجاحاً كبيراً لدرجة أنه أصبح يعرف كقاص. وأصدر أربع مجموعات قصصية كان أولها عام 1982 بعنوان "السيرك أحمر الشفاه"، وبعد عشر سنوات أصدر مجموعته الثانية "في حجرة مظلمة مع شخص غريب"، وفي 2001 أصدر مجموعته الثالثة "موعد غرامي مع زوجتي"، كما صدرت له مجموعة قصص مُختارة عام 2003. تتسم أعمال مكابي السردية بقوة الحبكة وقلة عدد الشخصيات، والتركيز علي نمط الصراع الداخلي مع الذات، والخارجي مع شروط العمل، ونمط الحياة في معظم كتاباته، ويولي اهتماماً بالغاً بالواقع الاجتماعي والاقتصادي، إلا أنه يهتم باللحظات المشحونة بالخوف والتوتر. كما تتسم أعماله بدقة الوصف حيث إن أحداث قصصه تدور في مجتمعات مغلقة وأماكن غير مألوفة إلي حد ما. كما أن لديه شغفاً بتعدد الأصوات داخل نصوصه، وغالباً ما يلجأ إلي المونولوج ليخترق الشخصية من الداخل، ويكشف عن نوازعها ومشاعرها. وهو يمتلك حساسية خاصة تجاه اللغة، ويميل إلي التلاعب اللفظي، ويعتمد علي لغة ساخرة متهكمة، تسخر من الذات قدر سخريتها من مواضعات العالم. أما عن الحوار، فهو يتسم بالقصر إلي حد الاختزال، ويميل مكابي إلي استخدام الكلمات الدارجة في الحوار؛ الذي يلعب دوراً حاسماً في بلورة الصراع وتحديد التراتبية بين الشخصيات. مثل معظم كتاب وشعراء جيله، يُعتبر سؤال الهوية الوطنية من المحاور الأساسية في أعمال مكابي، فلقد طرحت أزمة الهوية الاسكتلندية بوضوح منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وارتبطت بمحاولة عدد من الكتاب المعاصرين لكسر الصورة النمطية عن تاريخ اسكتلندا وفنها. لقد كانت اسكتلندا عبر تاريخها مجرد ظل باهت لإنجلترا، حيث أدت الظروف التاريخية إلي تحلل الدولة وطمس معالم اللغة وازدواج هوية الشعب، حتي إن أحد كتاب هذا الجيل وصفها بأنها "دولة خفية" أو"دولة الظل"، وساد اعتقاد أنها أرض قاحلة فنياً وأدبياً. لذا، حاول مكابي وكتاب جيله إعادة الاعتبار للثقافة الاسكتلندية بعناصرها المختلفة، ومناقشة موضوع الانشطار في الهوية الوطنية في أعمالهم. وتعبر رواية مكابي الوحيدة "ماكوي الآخر" عن ذات مشطورة تعاني من ضياع الهوية، وفقدان الذاكرة، وتمثل مواجهة بين البطل وبين صورته أمام نفسه، وبين البطل والعالم، ما يمكن اعتباره انعكاساً لما تعانيه اسكتلندا من أزمة هوية في نظر بعض مثقفيها المعاصرين، إلا أن الفكرة تمس الإنسان المعاصر في مختلف بقاع الأرض، الذي يتحول إلي أداة استقبال لثقافة مقولبة. تأثر "مكابي" بفترة طفولته التي قضاها في مجتمع مُغلق شديد الفقر، بين عمال مناجم الفحم، وأصبحت تجاربه في تلك الفترة محوراً لعدد كبير من قصصه؛ حيث أدرك أن معاناته تصلح لأن تكون مادة قصصية يشرح بها معاناة الكثير من البشر في مختلف بقاع الأرض. وقام باستدعاء لحظات الطفولة ذات الشحنات العاطفية في معظم أعماله، إلا أنه كان حريصاً علي مزج تجاربه الشخصية بالخيال حتي لا تتحول أعماله لسيرة ذاتية، فالخيال علي حد قوله ما يمنح القصة سمتها الأدبي. كما يحاول مكابي في قصصه أن يستكشف نمط التفكير الطفولي، بكل تساؤلاته ومخاوفه وخيالاته. ولقد أتاح له الاقتراب من عالم الطفولة مناقشة فكرة الخوف من الموت ومن المجهول، وطبيعة الخوف نفسه، وانعكاساته علي حياة البشر وطرق تفكيرهم. ولا يكتب مكابي عن ذاته إلا في سياق اجتماعي واضح وحاسم، ويكاد يكون أيديولوجي الطابع؛ إذ ينصب اهتمامه في الكثير من قصصه علي حياة العمال، والعلاقات المعقدة بين العامل والآلة التي يعمل عليها، وبين العامل ورئيسه. ويري أن العمل في ظروف غير إنسانية بمثابة شكل جديد من أشكال العبودية، التي تلتهم جسد العامل وروحه. كما يناقش فكرة الطرد من العمل، أو الاستغناء عن العامل، إضافة إلي فكرة البطالة وما يرتبط بها من خوف من الجوع. وقد يستنتج بعد الانتهاء من قصته "عُطل" أنه ليس هناك أي فارق بين صاحب العمل أو الرئيس المباشر في الوقت الراهن وبين سادة المجتمعات الإقطاعية في الماضي. ويمكن القول إن مكابي يحاول أن يكون صوتاً لرفاق صباه وفقره، يعبر عن أحلامهم ومخاوفهم، ويسعي لكسر طوق العزلة الذي يدفعهم إلي الاغتراب.