جامعة المنيا تفوز بثلاثة مراكز مُتقدمة على مستوى الجامعات المصرية - تعرف عليها    مقترح برلماني لإلغاء درجات "الحافز الرياضي" لطلاب الثانوية    أسعار العملات اليوم الأحد 2-6-2024 أمام الجنيه المصري    وزير التموين : ندرس طرح الخبز لغير حاملى البطاقات بسعر 125 قرشا للرغيف    تحديد فئات المحاسبة لقاطرات تأمين سفن شحن نترات الأمونيوم بميناء دمياط    "سلامة الغذاء": 30 ألف طن زيادة في الصادرات الغذائية.. وهولندا والسعودية أكبر الأسواق    «الإسكان» تدرس شبكات المرافق في المناطق الجاري تقنين أوضاعها بالعبور الجديدة    العليا للحج والعمرة: انتظام أعمال تفويج حجاج السياحة وتكاتف لإنجاح الموسم    قصف مكثف من الطائرات الإسرائيلية يستهدف أقصى جنوب رفح الفلسطينية    وزيرا دفاع كوريا الجنوبية وأمريكا يدينان استفزازات كوريا الشمالية" الطائشة"    مسبار صيني يهبط على الجانب البعيد من القمر    جيش الاحتلال الإسرائيلي ينفذ غارات على أهداف في لبنان    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا حيويا في إيلات بإسرائيل    وزير الخارجية يتوجه لإسبانيا للتشاور حول مستجدات القضية الفلسطينية ومتابعة مسار العلاقات الثنائية    المكسيكي الثالث في المونديال.. باتشوكا يتوج بدوري أبطال كونكاكاف    "العميد متفهم".. نجم الزمالك السابق يتحدث عن مكسب صلاح ومشاركة الشناوي أمام بوركينا    بعد انتهاء عقد موديست .. الأهلي يبدأ التفاوض مع محمد كوناتى لضمه فى الميركاتو الصيفى    احمد مجاهد يكشف حقيقة ترشحه لرئاسة اتحاد الكرة    نتيجة الصف الأول الثانوى بالرقم القومى.. رابط النتيجة    غرق طفل في حمام سباحة داخل مدرسة بالغربية    10 يونيو.. معارضة الفنان أحمد جلال على حكم حبسه في قضية مخدرات    هربا من مشاجرة.. التحقيق في واقعة قفز شاب من الطابق الرابع بأكتوبر    استحداث جائزة جديدة باسم "الرواد" بجامعة القاهرة.. التفاصيل وقيمتها المادية    بحضور البابا تواضروس.. احتفالية "أم الدنيا" في عيد دخول السيد المسيح أرض مصر    مى عز الدين تطلب من جمهورها الدعاء لوالدتها بالشفاء العاجل    بلدهم أولى.. المفتي يدعو المصريين بالخارج لإرسال زكاتهم وأضاحيهم لوطنهم    هل يجوز أن اعتمر عن نفسي واحج عن غيري؟.. الإفتاء توضح    شروط الأضحية الصحيحة في الشرع.. الإفتاء توضح    "الرقابة الصحية" تشارك بالنسخة الثالثة من معرض "صحة أفريقيا 2024"    طريقة عمل الكيكة الباردة بدون فرن في خطوات سريعة.. «أفضل حل بالصيف»    منحة عيد الأضحى 2024 للموظفين.. اعرف قيمتها وموعد صرفها    كاتب صحفي: الرؤية الأمريكية تنسجم مع ما طرحته القاهرة لوقف القتال في غزة    ما هي محظورات الحج المتعلقة بالنساء والرجال؟.. أبرزها «ارتداء النقاب»    «الإفتاء» توضح حكم التصوير أثناء الحج والعمرة.. مشروط    لتحسين أداء الطلاب.. ماذا قال وزير التعليم عن الثانوية العامة الجديدة؟    مواعيد قطارات عيد الأضحى المقرر تشغيلها لتخفيف الزحام    وزير الري يؤكد عمق العلاقات المصرية التنزانية على الأصعدة كافة    وزير خارجية الإمارات: مقترحات «بايدن» بشأن غزة «بناءة وواقعية وقابلة للتطبيق»    سعر الريال السعودي اليوم الأحد 2 يونيو 2024 في بنك الأهلي والقاهرة ومصر (التحديث الصباحي)    إحالة تشكيل عصابي للمحاكمة بتهمة سرقة الدراجات النارية بالقطامية    بسبب سيجارة.. اندلاع حريق فى حي طرة يودى بحياة مواطن    إضافة 3 مواد جدد.. كيف سيتم تطوير المرحلة الإعدادية؟    «أوقاف شمال سيناء» تنظم ندوة «أسئلة مفتوحة عن مناسك الحج والعمرة» بالعريش    ورشة حكي «رحلة العائلة المقدسة» ومحطات الأنبياء في مصر بالمتحف القومي للحضارة.. الثلاثاء    ل برج الجدي والعذراء والثور.. ماذا يخبئ شهر يونيو لمواليد الأبراج الترابية 2024    الزمالك يدافع عن شيكابالا بسبب الأزمات المستمرة    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    قصواء الخلالى ترد على تصريحات وزير التموين: "محدش بقى عنده بط ووز يأكله عيش"    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    "الأهلي يظهر".. كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تتويج ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا؟    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عوالم عزة رشاد
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 07 - 2014

تعرفت علي كتابة عزة رشاد عبر رواية "ذاكرة التيه" التي صدرت عام 2003 من دار ميريت، وجاءت الرواية حينها وهي تحمل صوتاً متميزاً، خافتاً، لا يهمل اللغة، ويوظف التقنيات ببراعة ودون افتعال، ويمتع القارئ في رحلة ذاكرة الصوت السردي لسحر. وبالرغم من أن الرواية تبدأ من النهاية، موشية بحيلة الذاكرة، إلا أنها تنجح في جذب القارئ وتوريطه بشكل كامل. وكانت الشاعرة ملكة بدر صاحبة ديوان "دون خسائر فادحة" قد كتبت عن الرواية في عام 2008 تقول: "رواية تكتب القارئ بينما يقرأها، ومن الصعب جدا ألا تتلبس بأحد خواطرك، مشاعرك، بفكرة أو بمليون من الدائرة برأسك ليل نهار بين سطور هذه الرواية، فيما تقرأ ستشعر أن كل جملة تستحق أن تكتبها في كراسة اقتباساتك، ذلك أن عزة رشاد تنتقل بين المواقف بإحساسها قبل عقلها، وهي لا تصدر الحكمة كما يفعل بعض الكتاب...". يكمن سر تلك الرواية في الجملة الأخيرة المُصاغة ببراعة، "لا تصدر الحكمة"، بل هي تغوص في تيه الذاكرة. والأصل في شكل الذاكرة هو التيه، وليس إتباع تلك الخطوط الطولية المنظمة الواضحة الحاسمة التي تعمد الذات الذكورية إلي توظيفها، ودارت حول هذه الإشكالية الكثير من الدراسات النقدية، أهمها ما قدمته الناقدة الأمريكية شاري بنستوك، التي أوضحت الفارق الجوهري بين الذات الذكورية والأنثوية في طرح السيرة الذاتية- حيث الذاكرة المتشرذمة غير المتسقة هي السمة الرئيسية لذاكرة الكتابة النسوية. يتسع عالم عزة رشاد في مجموعتها القصصية الثانية (بعد "أحب نورا...أكره نورهان" عام 2005)، وعنوانها "نصف ضوء" (دار هفن، 2010). تحتوي المجموعة علي قسمين، الأول يحمل اسم المجموعة "نصف ضوء"، والثاني عنوانه "كانوا ولا يزالون". إلا أن المجموعة بأكملها تنهل من شرعية العنوان الرئيسي "نصف ضوء"، فأين إذن النصف الآخر؟ وكيف يمكن تجزئة الضوء، وهو أشعة لا يمكن السيطرة عليها، فهي تنفذ من أي مكان. وفي حين سيطر الموت المباغت علي القسم الأول من المجموعة استنادا إلي المأثور الشعبي المتعلق بالموت المبكر، يكشف القسم الثاني عن مناطق العتمة في النفس. فالشخصيات تمر بلحظة كشف مباغتة، لحظة إدراك ما كان معتما، وهي اللحظة التي تجعلها تري بوضح ما كانت عليه، ويكتمل الضوء.
وفي العام الجاري- 2014- صدر للكاتبة مجموعة قصصية من سلسلة أخبار اليوم بعنوان "بنات أحلامي"، كتب لها الناقد والكاتب أحمد الخميسي مقدمة تستحقها الكاتبة بالفعل، ونبه فيها القارئ إلي مواطن القوة في كتابتها، إلا أنني أختلف معه- وهو يعرف ذلك من خلال النقاش الممتع الذي أجريناه سويا علي صفحات هذه الجريدة منذ عدة سنوات- في التعميم الذي أصدره فيما يتعلق بالكتابة النسوية، وعليه فقد قام بنفي "تهمة" هذا التوجه عن كتابة عزة رشاد. وتأتي المفارقة عندما أُعلن في هذا المقال أن عزة رشاد هي من القلائل في مصر اللواتي تمكن من تقديم كتابة نسوية تحمل قدرا كبيرا من النضج والتأمل. أما ما هي الكتابة النسوية (السؤال الذي يطرحه الجميع من باب الهجوم ليس إلا فهو يستحق من سائله الكثير من البحث، والتجربة والخطأ والتردد والتراكم حتي يُمكن تكوين رأي نقدي).
يتسع عالم عزة رشاد في هذه المجموعة وتقدم بالفعل بنات أحلامها (وليس أفكارها)، فتُعيد التنقيب في الفكرة الأثيرة لديها: الموت، بتجلياته المختلفة. ويبدو أن فكرة الموت، سواء جاءت في شكل الغياب، أو الفقد، أو الخسارة، أو الموت المباشر، لا تنفصل بأي حال عن رمز الأم، فجاءت القصة الأولي قوية وواضحة في مزج كل المشاعر (الأم، الغيرة، الطلاق، الزواج، موت الروابط) ليتحول الأمر إلي "الياسمين الشائك"، وهي مفارقة مستحيلة. اشتغلت عزة رشاد في هذه المجموعة علي تقنية الإبهام، ذاك الخط الفاصل بين الحلم والصحو، وما هو بحلم وما هو بيقظة، وهي اللحظة التي تُسير دفة السرد وترسم عالم الشخصيات التي يقبع معظمها في نصف ضوء وفي محاولة لترميم الأحلام. تبدو القصص كلها متجانسة في خفوت الصوت، التيه، محاولة الفهم، عناء المرور بالكابوس ومحاولة الإمساك به، إلا أن قصة "غزوة الأزرق" تبدو في طرافتها مختلفة في اللون والأسلوب عن بقية المجموعة.
تُتوج عزة رشاد عالمها برواية صدرت هذا العام أيضا عن الكتب خان وعنوانها "شجرة اللبخ". العالم الذي نسجته سحر في رواية "ذاكرة التيه" اتسع كثيرا في شجرة اللبخ ليضم أكثر من صوت في أسرة ممتدة، مُصورا البيئة المحيطة في درب السوالمة، في النصف الأول من القرن العشرين. في حين تقل درجة الإبهام يزداد اشتغال عزة رشاد علي المعتقد الشعبي، مستغلة بذلك الفترة الزمنية في القرية كمكان للحدث الرئيسي، بالرغم من تنقل رضوان بك بين الدرب والقاهرة (التي يموت فيها). ومن حادث مبني علي المعتقد الشعبي "النعش طار"، تبدأ الكاتبة من النهاية (مثل ذاكرة التيه)، وهي لحظة تلقي العزاء في رضوان بك. وإن كانت هي النهاية الأولي، لأن النهاية الثانية تأتي في الخاتمة بصوت لم يعش كل الأحداث بل سمعها وهي تنتقل من جيل لجيل فيتحول درب السوالمة ورضوان بك إلي حكاية شفوية متعددة الطبعات. وكأن لحظة تلقي العزاء هي اللحظة التي تجبر ذاكرة كل الشخصيات علي اجترار ما وقع، ليكشف العالم الروائي عن الرؤية الثاقبة لإشكالية الطبقة، الصعود الطبقي (سعاد)، سلطة الطبقة والعرق (صافيناز)، الخضوع للطبقة (فارس)، احتقار الطبقة (قدرية)، رفض الطبقة (جميلة)، الاحتماء بالطبقة (شفاعة)، قوة الطبقة (رضوان)، الحراك الطبقي (متولي وليلي). تتداخل سياسات الهوية بين الفلاحين من ناحية ووضع رضوان بك البلبيسي من ناحية أخري، وتتوارث العداوات، فيتحول ابن مبارز إلي عفريت، ويتحول متولي إلي أراجوز يقاوم الاحتلال بالسخرية، ويتحول حسنين إلي متواطئ يؤكد للجميع أن نعش البك طار واستقر تحت شجرة اللبخ، لكن الرائحة تفوح ولا تذهب مطلقا، وتبقي الشيء الأكيد الوحيد الباقي من الحكاية بأكملها. تنسج عزة رشاد عالمها الروائي والقصصي بهدوء شديد، يسحبك السرد إلي عالم يكمن هناك خارج العاصمة والمركز، عالم لا يقدر علي سرده إلا عين متأملة، "لا تصدر الحكمة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.