ليس هناك ما يستدعي البكاء عليه، في حالة مايا كل الموجودات فقدت ألوانها بغتة، التفاح صار رمادياً داكناً، الموز أسود داكن، وعقد أمها الزمردي شفاف، بلا لون تقريباً. في البداية حسبت هذا وباءً أصاب الجميع. "يعني أنتي شايفة ال clutch دي بني؟" "أيوة يا بنتي، بني، درجة مدية علي بيج شوية كمان." "طب وعربية سارة؟" "دي كمان نسيتي لونها، ماهي حمرا أدامك أهيه." حديقة منزلها الواسعة الأشبه بالدغل أصبحت لوحة من فيلم قديم، كل ما فيها أسود ورمادي، رمادي وأسود. هناك بعض الورود بيضاء الوريقات، لكن حتي لونها الأبيض كان يعكس سواداً. في مرآة منزلها، كان لوحمتها لوناً أسوداً، تعرفها جيداً؛ حمراء أعلي عظمة الترقوة بقليل، كثيراً ما داراتها تحت طبقات المثبت وكريم الأساس، اليوم هي تقف مرتجفة بجسد عاري وتحاول أن تسترجعها، لكنها بقيت سوداء، مثل هذا الخدش أعلي ركبتها، مثل باطن قدمها، مثل توكة شعرها وفراء قطتها الذي كان يوماً ما رمادياً مائلاً للزرقة. في حفل عيد ميلادها وقفت تتظاهر بالمرح، وتسلم علي صديقاتها المزركشات بالأسود والدانتيل. "قلم روج اللون اللي أنتي بتحبيه، هيجنن عليكي" أمام مرآة الحمام وقفت تجربه، طلت به شفتيها، ضمتهما سوياً ثم أطلقتهما. كانت النتيجة شفاة شديدة السواد أشبه بقاطرات رصف الطرق. تجعد وجهها بكاءً ثم ارتخي. لم تعد تقوي علي الحزن. سمعت من صديقتها سمر ذات مرة أنها لو داعبت نفسها ليلاً سيطول شعرها، كانت فيما مضي تفعل هذا بأريحية، تعبث بالتفاصيل الصغيرة ما بين فخذيها وتستلذ السائل الأبيض الرقراق الذي يغطي أطراف أناملها في نهاية الجولة. حاولت أن تفعل هذا اليوم، لكنها إذ أخرجت يدها لم تجد بها شيئاً، لم تشعر حتي بالبلل الذي يصاحب كل مرة. هو لون جلدها الرمادي الشاحب الذي طالعها مبتسماً من بين ثنيات الأصابع. ربما أصيبت بالبهاق مثل مايكل جاكسون؟ تطالع صورته الغارقة في درجات الأسود والتي تعلقها بطول حائط غرفتها، ربما لهذا كان وحيداً، حزيناً. ربما البهاق يدمر العين أو يصيبها بعطب فيجعلها غير قادرة علي تمييز الألوان. تقضي ساعات طوال تبحث في جوجل عن إجابة لتساؤلاتها، وفي نهاية اليوم تنام مسندة رأسها إلي لوحة المفاتيح، عالمة أنها ستستيقظ في الغد لتجد جبهتها مزينة بالحروف الأبجدية الغائرة في اللحم. لكنها لا تستيقظ، أو هكذا تظن. تسمع مايا ذلك النداء من بعيد، صوت عميق يهمس باسمها من بين شجر السرو العملاق في الحديقة، تتجه نحوه مبهورة، غير عابئة بالحوائط والأبواب الموصدة. أمام شتلات الريحان والبنفسج تجده، بذلته الحمراء الصارخة والمزدانة بالنجوم اللامعة، جسده الذي لا يعرف الوقوف ثابتاً، وكحل عينيه الذي لا يسيل. يمد لها يده، تمسكها مبهورة الأنفاس وتصعد معه سلماً مرمرياً إلي القمر. تحين منها التفاتة إلي كتفها، وتجد وحمتها حمراء قانية بلون الغروب.