تكثر نوادر جحا مع تيمور لنك الذي عُدّ نموذجًا للاستبداد واتسم عصره بالانتهازية والنفاق، ففي أول لقاء جمع بين جحا وتيمورلنك، سأله، كما سأل العلماء الذين أراد أن يختبر ولاءهم: أعادل أنا أم ظالم؟! فمن أجاب: إنك عادل قتله ومن قال: إنك ظالم قتله. فكر جحا فيما يجب عليه أن يجيب به كي ينقذ نفسه، وأجاب: أنت لست ملكًا عادلاً ولا باغيًا ظالمًا، فالظالمون نحن، وأنتم سيف العدل الذي سلطه الواحد القهار علي الظالمين.. وهكذا استطاع جحا أن ينجو بنفسه وأن يكف أذي تيمور لنك إلي حين. ويحفل التراث بكثير من النوادر التي واجه الناس بها عسف الحكام وظلمهم واستبدادهم، وهي قد تبدو تعبيرًا سلبيًا عن المقاومة، إذا نظرنا إليها من الخارج، فإذا تأملناها وجدناها حافلة بكثير من أساليب المقاومة، ولعل أهمها الحفاظ علي الوجود ثم إن لكل لحادث حديثًا بعد ذلك.. يقول جحا: اعلم أن شجرة النفاق إنما زرعت أول ما زرعت في ساحة الملوك والسلاطين.. وليس أصحاب السلطان وأهل بطانته إلا فروع تلك الشجرة، وإنما ينال الواحد منهم الحظ والرضا علي قدر ما يبذل من نفاق ويقدم من ملق. قال تيمور لنك يومًا لجحا: هل تستطيع أن تقدر كم أساوي من المال، فنظر إليه جحا مليًا، وتردد قليلاً ثم قال له: لا أظنك تساوي أقل من ألف دينار، فانطلق تيمور مقهقهًا بالضحك، وقال له: إنك لم تبلغ في جوابك شيئًا، ولم تقدرني كما ينبغي، إن ملابسي وحدها أيها الأحمق تساوي المقدار، فردّ جحا، لقد صدق حدسي، فما كنت أنظر في تقدير ثمنك إلا إلي هذه الملابس. وسأله تيمور لنك يومًا: هل تعلم يا جحا أن خلفاء بني العباس كان لكل منهم لقب يذكر به، فمنهم المتوكل علي الله، والمعتصم بالله، والواثق بالله، وغير ذلك، فلو كنت أنا واحدًا منهم، فما هو اللقب الذي كان ينبغي أن أذكر به، أو أختاره، فأجابه جحا: لا شك بأنك يامولاي كنت لتدعي »العياذ بالله«. اشتهر جحا بالذكاء والحكمة، كما اشتهر بالحمق والغفلة، والحقيقة أنه فيما اشتهر به من ذكاء وحكمة، أو فيما ألصق به من حمق وغفلة لم يكن إلا شخصية تمثل وجدانًا جمعيًا، يتجلي ذكاءً وحكمة عندما يقتضي الأمر الذكاء والحكمة، وينعكس غفلة وحمقًا إذا احتاج الموقف أن يبدو غبيّا أو مغفلًا. استأجره رجل ليحمل له قفصا فيه قوارير علي أن يعلمه ثلاث خصال ينتفع بها، فحمل جحا القفص ولما بلغ ثلث الطريق قال لمن استأجره ماهي الخصلة الأولي، قال الرجل من قال لك إن الجوع خير من الشبع فلا تصدقه، قال جحا: صدقت، فلما بلغا ثلثي الطريق قال له: والثانية، فقال: من قال لك إن المشي خير من الركوب فلا تصدقه. قال جحا: صدقت. فلما انتهيا إلي باب الدار، قال والثالثة، فقال الرجل: من قال لك إنك ستأخذ أجرًا علي حمل القوارير فلا تصدقه.. فرمي جحا القفص علي الأرض وقال له: هناك خصلة رابعة نسيتها، قال الرجل ما هي، قال جحا: من قال لك إن في هذا القفص قارورة صحيحة فلا تصدقه..! فلنتأمل ونبتسم...